رعاية الحرمة فلهذا السبب لم يقل له: قل ذلك لئلا يكون مشافها لعمه بالشتم بخلاف السورة الأخرى فإن أولئك الكفار ما كانوا أعماما له الثاني: أن الكفار في تلك السورة طعنوا في الله فقال الله تعالى: يا محمد أجب عنهم: * (قل يا أيها الكافرون) * وفي هذه السورة طعنوا في محمد، فقال الله تعالى أسكت أنت فإني أشتمهم: * (تبت يدا أبي لهب) * الثالث: لما شتموك، فاسكت حتى تندرج تحت هذه الآية: * (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما) * وإذا سكت أنت أكون أنا المجيب عنك، يروى أن أبا بكر كان يؤذيه واحد فبقي ساكتا، فجعل الرسول يدفع ذلك الشاتم ويزجره، فلما شرع أبو بكر في الجواب سكت الرسول، فقال أبو بكر: ما السبب في ذلك؟ قال: لأنك حين كنت ساكتا كان الملك يجيب عنك، فلما شرعت في الجواب انصرف الملك وجاء الشيطان.
واعلم أن هذا تنبيه من الله تعالى على أن من لا يشافه السفيه كان الله ذابا عنه وناصرا له ومعينا.
السؤال الرابع: ما الوجه في قراءة عبد الله بن كثير المكي حيث كان يقرأ: * (أبي لهب) * ساكنة الهاء؟ الجواب: قال أبو علي: يشبه أن يكون لهب ولهب لغتين كالشمع والشمع والنهر والنهر، وأجمعوا في قوله: * (سيصلى نارا ذات لهب) * على فتح الهاء، وكذا قوله: * (ولا يغني من اللهب) * وذلك يدل على أن الفتح أوجه من الإسكان، وقال غيره: إنما اتفقوا على الفتح في الثانية مراعاة لو فاق الفواصل.
* (مآ أغنى عنه ماله وما كسب) *.
قوله تعالى: * (ما أغنى عنه ماله وما كسب) * في الآية مسائل:
المسألة الأولى: ما في قوله: * (ما أغنى) * يحتمل أن يكون استفهاما بمعنى الإنكار، ويحتمل أن يكون نفيا، وعلى التقدير الأول يكون المعنى أي تأثير كان لماله وكسبه في دفع البلاء عنه، فإنه لا أحدا كثر مالا من قارون فهل دفع الموت عنه، ولا أعظم ملكا من سليمان فهل دفع الموت عنه، وعلى التقدير الثاني يكون ذلك إخبارا بأن المال والكسب لا ينفع في ذلك.
المسألة الثانية: ما كسب مرفوع وما موصولة أو مصدرية يعني مكسوبه أو كسبه، يروى أنه كان يقول: إن كان ما يقول ابن أخي حقا فأنا أفتدي منه نفسي بمالي وأولادي، فأنزل الله تعالى هذه الآية، ثم ذكروا في المعنى وجوها: أحدها: لم ينفعه ماله وما كسب بماله يعني رأس المال والأرباح وثانيها: أن المال هو الماشية وما كسب من نسلها، ونتاجها، فإنه كان صاحب النعم والنتاج وثالثها: * (ماله) * الذي ورثه من أبيه والذي كسبه بنفسه ورابعها: قال ابن عباس: * (ما كسب) * ولده، والدليل عليه قوله عليه السلام: " إن أطيب ما يأكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه " وقال عليه السلام: " أنت ومالك لأبيك " وروى أن بني أبي لهب احتكموا إليه فاقتتلوا فقام يحجز بينهم فدفعه بعضهم فوقع: فغضب فقال: أخرجوا عني الكسب