يقصد قتل النبي صلى الله عليه وسلم وإيذاءه وثالثها: أن فرعون أحسن إلى موسى أولا، وقال آخرا: * (آمنت) *. وأما أبو جهل فكان يحسد النبي في صباه، وقال في آخر رمقه: بلغوا عني محمدا أني أموت ولا أحد أبغض إلي منه ورابعها: أنهما وإن كانا رسولين لكن الحبيب في مقابلة الكليم كاليد في مقابلة العين، والعاقل يصون عينه فوق ما يصون يده، بل يصون عينه باليد، فلهذا السبب كانت المبالغة ههنا أكثر.
* (أن رءاه استغنى) *.
أما قوله تعالى: * (أن رآه استغنى) * ففيه مسائل:
المسألة الأولى: قال الأخفش: لأن رآه فخذف اللام، كما يقال: أنكم لتطغون أن رأيتم غناكم.
المسألة الثانية: قال الفراء إنما قال: * (أن رآه) * ولم يقل: رأى نفسه كما يقال: قتل نفسه لأن رأى من الأفعال التي تستدعي اسما وخبرا نحو الظن والحسبان، والعرب تطرح النفس من هذا الجنس فنقول: رأيتني وظننتني وحسبتني فقوله: * (أن رآه استغنى) * من هذا الباب.
المسألة الثالثة: في قوله: * (استغنى) * وجهان: أحدهما: استغنى بماله عن ربه، والمراد من الآية ليس هو الأول، لأن الإنسان قد ينال الثروة فلا يزيد إلا تواضعا كسليمان عليه السلام، فإنه كان يجالس المساكين ويقول: " مسكين جالس مسكينا " وعبد الرحمن بن عوف ما طغى مع كثرة أمواله، بل العاقل يعلم أنه عند الغنى يكون أكثر حاجة إلى الله تعالى منه حال فقره، لأنه في حال فقره لا يتمنى إلا سلامة نفسه، وأما حال الغنى فإنه يتمنى سلامة نفسه وماله ومماليكه، وفي الآية وجه ثالث: وهو أن سين * (استغنى) * سين الطالب والمعنى أن الإنسان رأى أن نفسه إنما نالت الغنى لأنها طلبته وبذلت الجهد في الطلب فنالت الثروة والغنى بسبب ذلك الجهد، لا أنه نالها بإعطاء الله وتوفيقه، وهذا جهل وحمق فكم من باذل وسعه في الحرص والطلب وهو يموت جوعا، ثم ترى أكثر الأغنياء في الآخرة يصيرون مدبرين خائفين، يريهم الله أن ذلك الغنى ما كان بفعلهم وقوتهم.
المسألة الرابعة: أول السورة يدل على مدح العلم وآخرها على مذمة المال، وكفى بذلك مرغبا في الدين والعلم ومنفرا عن الدنيا والمال.
* (إن إلى ربك الرجعى) *.
ثم قال تعالى: * (إن إلى ربك الرجعي) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: هذا الكلام واقع على طريقة الالتفات إلى الإنسان تهديدا له وتحذيرا من عاقبة الطغيان.
المسألة الثانية: * (الرجعي) * المرجع والرجوع وهي بأجمعها مصادر، يقال: رجع إليه رجوعا