الإنسانية، كأنه تعالى يقول: الإيجاد والإحياء والإفدار والرزق كرم وربوبية، أما الأكرم هو الذي أعطاك العلم لأن العلم هو النهاية في الشرف.
المسألة الرابعة: قوله: * (باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق) * إشارة إلى الدلالة العقلية الدالة على كمال القدرة والحكمة والعلم والرحمة، وقوله: * (الذي علم بالقلم) * إشارة إلى الأحكام المكتوبة التي لا سبيل إلى معرفتها إلا بالسمع، فالأول كأنه إشارة إلى معرفة الربوبية والثاني إلى النبوة، وقدم الأول على الثاني تنبيها على أن معرفة الربوبية غنية عن النبوة، وأما النبوة فإنها محتاجة إلى معرفة الربوبية.
المسألة الخامسة: في قوله: * (علم بالقلم) * وجهان أحدهما: أن المراد من القلم الكتابة التي تعرف بها الأمور الغائبة، وجعل القلم كناية عنها والثاني: أن المراد علم الإنسان الكتاب بالقلم وكلا القولين متقارب، إذ المراد التنبيه على فضيلة الكتابة، يروى أن سليمان عليه السلام سأل عفريتا عن الكلام، فقال: ريح لا يبقى، قال: فما قيده، قال: الكتابة، فالقلم صياد يصيد العلوم يبكي ويضحك، بركوعه تسجد الأنام، وبحركته تبقى العلوم على مر الليالي والأيام، نظيره قول زكريا: * (إذ نادى ربه نداء خفيا) * أخفى وأسمع فكذا القلم لا ينطق ثم يسمع الشرق والغرب، فسبحانه من قادر بسوادها جعل الدين منورا، كما أنه جعلك بالسواد مبصرا، فالقلم قوام الإنسان والإنسان قوام العين، ولا تقل القلم نائب اللسان، فإن القلم ينوب عن اللسان واللسان لا ينوب عن القلم، التراب طهور، ولو إلى عشر حجج، والقلم بدل (عن اللسان) ولو (بعث) إلى المشرق والمغرب.
* (علم الإنسان ما لم يعلم) *.
أما قوله تعالى: * (علم الإنسان ما لم يعلم) * فيحتمل أن يكون المراد علمه بالقلم وعلمه أيضا غير ذلك ولم يذكر واو النسق، وقد يجري مثل هذا في الكلام تقول: أكرمتك أحسنت إليك ملكتك الأموال وليتك الولايات، ويحتمل أن يكون المراد من اللفظين واحدا ويكون المعنى: علم الإنسان بالقلم ما لم يعلمه، فيكون قوله: * (علم الإنسان ما لم يعلم) * بيانا لقوله: * (علم بالقلم) *.
* (كلا إن الإنسان ليطغى) *.
قال تعالى: * (كلا إن الإنسان ليطغى) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: أكثر المفسرين على أن المراد من الإنسان ههنا إنسان واحد وهو أبو جهل، ثم منهم من قال: نزلت السورة من ههنا إلى آخرها في أبي جهل. وقيل: نزلت من قوله: * (أرأيت الذي ينهى عبدا) * إلى آخر السورة في أبي جهل. قال ابن عباس: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي فجاء أبو جهل، فقال: ألم أنهك عن هذا؟ فزجره النبي صلى الله عليه وسلم، فقال