وسيرهم وجميع أحوالهم، ثم خص إيلاف الرحلتين بالذكر لسبب أنه قوام معاشهم كما في قوله: * (وجبريل وميكائيل) * وفائدة ترك واو العطف التنبيه على أنه كل النعمة، تقول العرب: ألفت كذا أي لزمته، والإلزام ضربان إلزام بالتكليف والأمر، وإلزام بالمودة والمؤانسة فإنه إذا أحب المرء شيئا لزمه، ومنه: * (ألزمهم كلمة التقوى) * كما أن الإلجاء ضربان أحدهما: لدفع الضرر كالهرب من السبع والثاني: لطلب النفع العظيم، كمن يجد مالا عظيما ولا مانع من أخذه لا عقلا ولا شرعا ولا حسا فإنه يكون كالملجأ إلى الأخذ، وكذا الدواعي التي تكون دون الالجاء، مرة تكون لدفع الضرر وأخرى لجلب النفع، وهو المراد في قوله: * (إيلافهم) *.
المسألة الرابعة: اتفقوا على أن قريشا ولد النضر بن كنانة، قال عليه الصلاة والسلام: " إنا بني النضر بن كنانة لأنفقوا أمنا ولا ننتفي من أبينا " وذكروا في سبب هذه التسمية وجوها أحدها: أنه تصغير القرش وهو دابة عظيمة في البحر تعبث بالسفن، ولا تنطلق إلا بالنار وعن معاوية أنه سأل ابن عباس: بم سميت قريش؟ قال: بدابة في البحر تأكل ولا تؤكل، تعلو ولا تعلى، وأنشد: وقريش هي التي تسكن البحر بها سميت قريش قريشا والتصغير للتعظيم، ومعلوم أن قريشا موصوفون بهذه الصفات لأنها تلي أمر الأمة، فإن الأئمة من قريش وثانيها: أنه مأخوذ من القرش وهو الكسب لأنهم كانوا كاسبين بتجاراتهم وضربهم في البلاد وثالثها: قال الليث: كانوا متفرقين في غير الحرم، فجمعهم قصي بن كلاب في الحرم حتى اتخذوها مسكنا، فسموا قريشا لأن التقرش هو التجمع، يقال: تقرش القوم إذا اجتمعوا، ولذلك سمي قصي مجمعا، قال الشاعر: أبو كم قصي كان يدعى مجمعا به جمع الله القبائل من فهر ورابعها: أنهم كانوا يسدون خلة محاويج الحاج، فسموا بذلك قريشا، لأن القرش التفتيش قال ابن حرة: أيها الشامت المقرش عنا عند عمرو وهل لذاك بقاء * (إيلافهم رحلة الشتآء والصيف) *.
قوله تعالى: * (رحلة الشتاء والصيف) * فيه مسائل:
المسألة الأولى: قال الليث: الرحلة اسم الارتحال من القول للمسير، وفي المراد من هذه الرحلة قولان: الأول: وهو المشهور، قال المفسرون: كانت لقريش رحلتان رحلة بالشتاء إلى اليمن لأن اليمن أدفأ وبالصيف إلى الشأم، وذكر عطاء عن ابن عباس أن السبب في ذلك هو أن قريشا إذا أصاب واحدا منهم مخمصة خرج هو وعياله إلى موضع وضربوا على أنفس خباء حتى يموتوا،