لا تطيعوه فإنه كذاب، فقلت: من هذا، فقالوا: محمد وعمه أبو لهب وثانيها: المراد من اليدين الجملة كقوله تعالى: * (ذلك بما قدمت يداك) * ومنه قولهم: يداك أو كتا، وقوله تعالى: * (مما عملت أيدينا) * وهذا التأويل متأكد بقوله: * (وتب) * وثالثها: تبت يداه أي دينه ودنياه أولاه وعقباه، أو لأن بإحدى اليدين تجر المنفعة، وبأخرى تدفع المضرة، أو لأن اليمنى سلاح والأخرى جنة ورابعها: روى أنه عليه السلام لما دعاه نهارا فأبى، فلما جن الليل ذهب إلى داره مستنا بسنة نوح ليدعوه ليلا كما دعاه نهارا، فلما دخل عليه قال له: جئتني معتذرا فجلس النبي عليه السلام أمامه كالمحتاج، وجعل يدعوه إلى الإسلام وقال: إن كان يمنعك العار فأجبني في هذا الوقت واسكت، فقال: لا أومن بك حتى يؤمن بك هذا الجدي، فقال عليه الصلاة والسلام للجدي: من أنا؟ فقال رسول الله: وأطلق لسانه يثني عليه، فاستولى الحسد على أبي لهب، فأخذ يدي الجدي ومزقه وقال: تبا لك أثر فيك السحر، فقال الجدي: بل تبا لك، فنزلت السورة على وفق ذلك: * (تبت يدا أبي لهب) * لتمزيقه يدي الجدي وخامسها: قال محمد بن إسحق: يروى أن أبا لهب كان يقول: يعدني محمد أشياء، لا أرى أنها كائنة يزعم أنها بعد الموت، فلم يضع في يدي من ذلك شيئا، ثم ينفخ في يديه ويقول: تبا لكما ما أرى فيكما شيئا، فنزلت السورة.
أما قوله تعالى: * (وتب) * ففيه وجوه أحدها: أنه أخرج الأول مخرج الدعاء عليه كقوله: * (قتل الإنسان ما أكفره) * والثاني مخرج الخبر أي كان ذلك وحصل، ويؤيده قراءة ابن مسعود وقد تب وثانيها: كل واحد منهما إخبار ولكن أراد بالأول هلاك عمله، وبالثاني هلاك نفسه ووجهه أن المرء إنما يسعى لمصلحة نفسه وعمله، فأخبر الله تعالى أنه محروم من الأمرين وثالثها: * (تبت يدا أبي لهب) * يعني ماله ومنه يقال: ذات اليد * (وتب) * هو بنفسه كما يقال: * (خسروا أنفسهم وأهليهم) * وهو قول أبي مسلم ورابعها: * (تبت يدا أبي لهب) * يعني نفسه: * (وتب) * يعني ولده عتبة على ما روى أن عتبة بن أبي لهب خرج إلى الشأم مع أناس من قريش فلما هموا أن يرجعوا قال لهم: عتبة بلغوا محمدا عني أني قد كفرت بالنجم إذا هوى، وروى أنه قال ذلك في وجه رسول الله وتفل في وجهه، وكان مبالغا في عداوته، فقال: اللهم سلط عليه كلبا من كلابك فوقع الرعب في قلب عتبة وكان يحترز فسار ليلة من الليالي فلما كان قريبا من الصبح، فقال له أصحابه: هلكت الركاب فما زالوا به حتى نزل وهو مرعوب وأناخ الإبل حوله كالسرادق فسلط الله عليه الأسد وألقى السكينة على الإبل فجعل الأسد يتخلل حتى افترسه ومزقه، فإن قيل: نزول هذه السورة كان قبل هذه الوقعة، وقوله: * (وتب) * إخبار عن الماضي، فكيف يحمل عليه؟ قلنا: لأنه كان في معلومه تعالى أنه يحصل ذلك