كانوا يكرهون سماع الوعيد فكرر لذلك ونون للتأكيد تقتضي كون تلك الرؤية اضطرارية، يعني لو خليتم ورأيكم ما رأيتموها لكنكم تحملون على رؤيتها شئتم أم أبيتم وثانيها: أن أولهما الرؤية من البعيد: * (إذا رأتهم من مكان بعيد، سمعوا لها تغيظا) * وقوله: * (وبرزت الجحيم لمن يرى) * والرؤية الثانية إذا صاروا إلى شفير النار وثالثها: أن الرؤية الأولى عند الورود والثانية عند الدخول فيها، قيل: هذا التفسير ليس بحسن لأنه قال: * (ثم لتسألن) * والسؤال يكون قبل الدخول ورابعها: الرؤية الأولى للوعد والثانية المشاهدة وخامسها: أن يكون المراد لترون الجحيم غير مرة فيكون ذكر الرؤية مرتين عبارة عن تتابع الرؤية واتصالها لأنهم مخلدون في الجحيم فكأنه قيل لهم: على جهة الوعيد، لئن كنتم اليوم شاكين فيها غير مصدقين بها فسترونها رؤية دائمة متصلة فتزول عنكم الشكوك وهو كقوله: * (ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت - إلى قوله - فارجع البصر كرتين) * بمعنى لو أعدت النظر فيها ما شئت لم تجد فطورا ولم يرد مرتين فقط، فكذا ههنا، إن قيل: ما فائدة تخصيص الرؤية الثانية باليقين؟ قلنا: لأنهم في المرة الأولى رأوا لهبا لا غير، وفي المرة الثانية رأوا نفس الحفرة وكيفية السقوط فيها وما فيها من الحيوانات المؤذية، ولا شك أن هذه الرؤية أجلى، والحكمة في النقل من العلم الأخفى إلى الأجلى التفريع على ترك النظر لأنهم كانوا يقتصرون على الظن ولا يطلبون الزيادة.
المسألة السابعة: قراءة العامة لترون بفتح التاء، وقرئ بضمها من رأيته الشيء، والمعنى أنهم يحشرون إليها فيرونها، وهذه القراءة تروي عن ابن عامر والكسائي كأنهما أرادا لترونها فترونها، ولذلك قرأ الثانية: * (ثم لترونها) * بالفتح، وفي هذه الثانية دليل على أنهم إذا أروها رأوها وفي قراءة العامة الثانية تكرير للتأكيد ولسائر الفوائد التي عددناها، واعلم أن قراءة العامة أولى لوجهين الأول: قال الفراء: قراءة العامة أشبه بكلام العرب لأنه تغليظ، فلا ينبغي أن الجحيم لفظه الثاني: قال أبو علي المعنى في: * (لترون الجحيم) * لترون عذاب الجحيم، ألا ترى أن الجحيم يراها المؤمنون أيضا بدلالة قوله: * (وإن منكم إلا واردها) * وإذا كان كذلك كان الوعيد في رؤية عذابها لا في رؤية نفسها يدل على هذا قوله: * (إذ يرون العذاب) * وقوله: * (وإذا رأى الذين ظلموا العذاب) * وهذا يدل على أن لترون أرجح من لترون.
* (ثم لتسالن يومئذ عن النعيم) *.
قوله تعالى: * (م لتسألن يومئذ عن النعيم) * فيه قولان:
المسألة الأولى: في أن الذي يسأل عن النعيم من هو؟ فيه قولان:
أحدهما: وهو الأظهر أنهم الكفار، قال الحسن: لا يسأل عن النعيم إلا أهل النار ويدل عليه وجهان الأول: ما روى أن أبا بكر لما نزلت هذه الآية، قال يا رسول الله: أرأيت