صلاة العصر " ففي هذا الحديث إشارة إلى تفخيم أمر هذه الصلاة وخامسها: أن صلاة العصر بها يحصل ختم طاعات النهار، فهي كالتوبة بها يختم الأعمال، فكما تجب الوصية بالتوبة كذا بصلاة العصر لأن الأمور بخواتيمها، فأقسم بهذه الصلاة تفخيما لشأنها، وزيادة توصية المكلف على أدائها وإشارة منه أنك إن أديتها على وجهها عاد خسرانك ربحا، كما قال: * (إلا الذين آمنوا) * وسادسها: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يكلمهم ولا يزكيهم - (عد) منهم - رجل حلف بعد العصر كاذبا " * (فإن قيل) * صلاة العصر فعلنا، فكيف يجوز أن يقال: أقسم الله تعالى به؟ والجواب: أنه ليس قسما من حيث إنها فعلنا، بل من حيث إنها أمر شريف تعبدنا الله تعالى بها.
القول الرابع: أنه قسم بزمان الرسول عليه السلام، واحتجوا عليه بقوله عليه السلام: " إنما مثلكم ومثل من كان قبلكم مثل رجل استأجر أجيرا، فقال: من يعمل من الفجر إلى الظهر بقيراط، فعملت اليهود، ثم قال: من يعمل من الظهر إلى العصر بقيراط، فعملت النصارى، ثم ثال: من يعمل من العصر إلى المغبر بقراطين، فعملتم أنتم، فغضبت اليهود والنصارى، وقالوا: نحن أكثر عملا وأقل أجرا! فقال الله: وهل نقصت من أجركم شيئا، قالوا: لا، قال: فهذا فضلي أوتيه من أشاء، فكنتم أقل عملا وأكثر أجرا " فهذا الخبر دل على أن العصر هو الزمان المختص به وبأمته، فلا جرم أقسم الله به، فقوله: * (والعصر) * أي والعصر الذي أنت فيه فهو تعالى أقسم بزمانه في هذه الآية وبمكانه في قوله: * (وأنت حل بهذا البلد) * وبعمره في قوله: * (لعمرك) * فكأنه قال: وعصرك وبلدك وعمرك، وذلك كله كالظرف له، فإذا وجب تعظيم حال الظرف فقس حال المظروف، ثم وجه القسم، كأنه تعالى يقول: أنت يا محمد حضرتهم ودعوتهم، وهم أعرضوا عنك وما التفتوا إليك، فما أعظم خسرانهم وما أجل خذلانهم.
* (إن الإنسان لفى خسر) *.
قوله تعالى: * (إن الإنسان لفي خسر) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: الألف واللام في الإنسان، يحتمل أن تكون للجنس، وأن تكون للمعهود السابق، فلهذا ذكر المفسرون فيه قولين الأول: أن المراد منه الجنس وهو كقولهم: كثر الدرهم في أيدي الناس، ويدل على هذا القول استثناء الذين آمنوا من الإنسان والقول الثاني: المراد منه شخص معين، قال ابن عباس: يريد جماعة من المشركين كالوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل، والأسود بن عبد المطلب. وقال مقاتل: نزلت في أبي لهب، وفي خبر مرفوع