الجواب: كأنه يقول: إني قد بالغت في تحذيركم على هذا الأمر القبيح، وما قصرت فيه، فإن لم تقبلوا قولي، فاتركوني سواء بسواء.
السؤال الثالث: لما كان التكرار لأجل التأكيد والمبالغة فكان ينبغي أن يقول: لن أعبد ما تعبدون، لأن هذا أبلغ، ألا ترى أن أصحاب الكهف لما بالغوا قالوا: * (لن ندعو من دونه إلها) * والجواب: المبالغة إنما يحتاج إليها في موضع التهمة، وقد علم كل أحد من محمد عليه السلام أنه ما كان يعبد الصنم قبل الشرع، فكيف يعبده بعد ظهور الشرع، بخلاف أصحاب الكهف فإنه وجد منهم ذلك فيما قبل.
* (لكم دينكم ولى دين) *.
أما قوله تعالى: * (لكم دينكم ولي دين) * ففيه مسائل:
المسألة الأولى: قال ابن عباس: لكم كفركم بالله ولي التوحيد والإخلاص له، فإن قيل: فهل يقال: إنه أذن لهم في الكفر قلنا: كلا فإنه عليه السلام ما بعث إلا للمنع من الكفر فكيف يأذن فيه، ولكن المقصود منه أحد أمور أحدها: أن المقصود منه التهديد، كقوله اعملوا ما شئتم وثانيها: كأنه يقول: إني نبي مبعوث إليكم لأدعوكم إلى الحق والنجاة، فإذا لم تقبلوا مني ولم تتبعوني فاتركوني ولا تدعوني إلى الشرك وثالثها: * (لكم دينكم) * فكونوا عليه إن كان الهلاك خيرا لكم * (ولي ديني) * لأني لا أرفضه القول الثاني: في تفسير الآية أن الدين هو الحساب أي لكم حسابكم ولي حسابي، ولا يرجع إلى كل واحد منا من عمل صاحبه أثر البتة القول الثالث: أن يكون على تقدير حذف المضاف أي لكم جزاء دينكم ولي جزاء ديني وحسبهم جزاء دينهم وبالا وعقابا كما حسبك جزاء دينك تعظيما وثوابا القول الرابع: الدين العقوبة: * (ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله يعني الحد، فلكم العقوبة من ربي، ولي العقوبة من أصنامكم، لكن أصنامكم جمادات، فأنا لا أخشى عقوبة الأصنام، وأما أنتم فيحق لكم عقلا أن تخافوا عقوبة جبار السماوات والأرض) * القول الخامس: الدين الدعاء، فادعوا الله مخلصين له الدين، أي لكم دعاؤكم * (وما دعاء الكافرين إلا في ضلال) * * (وإن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم) * ثم ليتها تبقى على هذه الحالة فلا يضرونكم، بل يوم القيامة يجدون لسانا فيكفرون بشرككم، وأما ربي فيقول: * (ويستجيب الذين آمنوا) * * (ادعوني أستجب لكم) * * (أجيب دعوة الداع إذا دعان) * القول السادس: الدين العادة، قال الشاعر: يقول لها وقد دارت وضينيأ هذا دينها أبدأ وديني معناه لكم عادتكم المأخوذة من أسلافكم ومن الشياطين، ولي عادتي المأخوذة من الملائكة والوحي، ثم يبقى كل واحد منا على عادته، حتى تلقوا الشياطين والنار، وألقى الملائكة والجنة.