فكيف يعقل عابد واحد بين معبودين! بل من جوز أن يصطلح الزوجان على أن تحل الزوجة لأحدهما شهرا، ثم الثاني شهرا آخر كان كافرا، فمن جوز الصلح بين الإله والصنم ألا يكون كافرا فكأنه تعالى يقول لرسوله: إن هذه المقالة في غاية القبح فصرح بالإنكار وقل: * (يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون) * الثلاثون: كأنه تعالى يقول أنسيت أني لما خيرت نساءك حين أنزلت عليك: * (قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها) * إلى قوله: * (أجرا عظيما) * ثم خشيت من عائشة أن تختار الدنيا، فقلت لها: لا تقولي شيئا حتى تستأمري أبويك، فقالت: أفي هذا استأمر أبوي بل أختار الله ورسوله والدار الآخرة! فناقصة العقل ما توقفت فيما يخالف رضاي أتتوقف فيما يخالف رضاي وأمري مع أني جبار السماوات والأرض: * (قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون) * الحادي والثلاثون: كأنه تعالى يقول: يا محمد ألست أنت الذي قلت: من كان يؤمن بالله وباليوم الآخر فلا يوقفن مواقف التهم، وحتى أن بعض المشايخ قال لمريده الذي يريد أن يفارقه: لا تخاف السلطان قال: ولم؟ قال: لأنه يوقع الناس في أحد الخطأين، وإما أن يعتقدوا أن السلطان متدين، لأنه يخالطه العالم الزاهد، أو يعتقدوا أنك فاسق مثله، وكلاهما خطأ، فإذا ثبت أنه يجب البراءة عن موقف التهم فسكوتك يا محمد عن هذا الكلام يجر إليك تهمة الرضا بذلك، لا سيما وقد سبق أن الشيطان ألقى فيما بين قراءتك: تلك الغرانيق العلي منها الشفاعة ترتجي، فأزل عن نفسك هذه التهمة و: * (قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون) * الثاني والثلاثون: الحقوق في الشاهد نوعان حق من أنت تحت يده، وهو مولاك، وحق من هو تحت يدك وهو الولد، ثم أجمعنا على أن خدمة المولى مقدمة على تربية الولد، فإذا كان حق المولى المجازي مقدما، فبأن يكون حق المولى الحقيقي مقدما كان أولى، ثم روى أن عليا عليه السلام استأذن الرسول صلى الله عليه وسلم في التزوج بابنة أبي جهل فضجر وقال: لا آذن لا آذن لا آذن أن فاطمة بضعة مني يؤذيني ما يؤذيها ويسرني ما يسرها والله لا يجمع بين بنت عدو الله، وبنت حبيب الله، فكأنه تعالى يقول: صرحت هناك بالرد وكررته على سبيل المبالغة رعاية لحق الولد، فههنا أولى أن تصرح بالرد، وتكرره رعاية لحق المولى فقل: * (يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون) * ولا أجمع في القلب بين طاعة الحبيب وطاعة العدو الثالث والثلاثون: يا محمد ألست قلت لعمر: رأيت قصرا في الجنة، فقلت: لمن؟ فقيل: لفتى من قريش، فقلت: من هو، فقالوا: عمر فخشيت غيرتك فلم أدخلها حتى قال عمر: أو أغار عليك يا رسول الله، فكأنه تعالى قال: خشيت غيرة عمر فما دخلت قصره أفما تخشى غيرتي في أن تدخل قلبك طاعة غيري، ثم هناك أظهرت الامتناع فههنا أيضا أظهر الامتناع و: * (قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون) *، الرابع والثلاثون: أترى أن نعمتي عليك دون نعمة الوالدة، ألم أربك؟ ألم أخلقك؟ ألم أرزقك؟ ألم أعطك الحياة والقدرة والعقل والهداية والتوفيق؟ ثم حين كنت طفلا عديم العقل وعرفت تربية الأم فلو أخذتك امرأة أجمل وأحسن وأكرم من أمك لأظهرت النفرة ولبكيت
(١٤١)