فأنت تقول لمن يرجم: إنه إنما يرجم إنه زان فهو قول حسن، ولو قلته للنصراني فقذف يوجب التعزيز، ولو قلته للمحصن فهو يوجب الحد، فقد اختلفت الأحكام في هذه المواضع، مع أن الصورة واحدة في الكل، بل لو قلته في حق عائشة كان كفرا، ولذلك قال: * (وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم) * وذلك لأن هذا طعن في حق عائشة التي كانت رحلة في العلم، لقوله عليه السلام: " خذوا ثلثي دينكم من هذه الحميراء " وطعن في صفوان مع أنه كان رجلا بدريا، وطعن في كافة المؤمنين لأنها أم المؤمنين، وللولد حق المطالبة بقذف الأم وإن كان كافرا، بل طعن في النبي الذي كان أشد خلق الله غيره، بل طعن في حكمة الله إذ لا يجوز أن يتركه حتى يتزوج بامرأة زانية، ثم القائل بقوله: هذا زان، فقد ظن أن هذه اللفظة سهلة مع أنها أثقل من الجبال، فقد ثبت بهذا أن الأفعال تختلف آثارها في الثواب والعقاب لاختلاف وجوهها، فلا يبعد أن تكون الطاعة القليلة في الصورة مساوية في الثواب للطاعات الكثيرة والوجه الثاني: في الجواب أن مقصود الحكيم سبحانه أن يجر الخلق إلى الطاعات فتارة يجعل ثمن الطاعة ضعفين، فقال: * (إن مع العسر يسرا، إن مع العسر يسرا) * ومرة عشرا، ومرة سبعمائة، وتارة بحسب الأزمنة، وتارة بحسب الأمكنة، والمقصود الأصلي من الكل جر المكلف إلى الطاعة وصرفه عن الاشتغال بالدنيا، فتارة يرجح البيت وزمزم على سائر البلاد، وتارة يفضل رمضان على سائر الشهور، وتارة يفضل الجمعة على سائر الأيام، وتارة يفضل ليلة القدر على سائر الليالي، والمقصود ما ذكرناه الوجه الثاني: من فضائل هذه الليلة.
* (تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر) *.
قوله تعالى: * (تنزل الملائكة والروح فيها) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: اعلم أن نظر الملائكة على الأرواح، ونظر البشر على الأشباح، ثم إن الملائكة لما رأوا روحك محلا للصفات الذميمة من الشهوة والغضب ما قبلوك. فقالوا: أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء، وأبواك لما رأوا قبح صورتك في أول الأمر حين كنت منيا وعلقة ما قبلوك أيضا، بل أظهروا النفرة، واستقذروا ذلك المني والعلقة، وغسلوا ثيابهم عنه، ثم كم احتالوا للإسقاط والإبطال، ثم إنه تعالى لما أعطاك الصورة الحسنة فالأبوان لما رأوا تلك الصورة الحسنة قبلوك ومالوا إليك، فكذا الملائكة لما رأوا في روحك الصورة الحسنة وهي معرفة الله وطاعته أحبوك فنزلوا إليك معتذرين عما قالوه أولا، فهذا هو المراد من قوله: * (تنزل الملائكة) * فإذا نزلوا إليك رأوا روحك في ظلمة ليل البدن، وظلمة القوى الجسمانية فحينئذ يعتذرون عما تقدم: * (ويستغفرون للذين آمنوا) *.
المسألة الثانية: أن قوله تعالى: * (تنزل الملائكة) * يقتضي ظاهره نزول كل الملائكة، ثم