قوله تعالى: * (إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية) *.
اعلم أنه تعالى لما ذكر حال الكفار أولا في قوله: * (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين) * ثم ذكر ثانيا حال المؤمنين في قوله: * (وما أمروا إلا ليعبدوا الله) * أعاد في آخر هذه السورة ذكر كلا الفريقين، فبدأ أيضا بحال الكفار، فقال: * (إن الذين كفروا) * واعلم أنه تعالى ذكر من أحوالهم أمرين أحدهما: الخلود في نار جهنم والثاني: أنهم شر الخلق، وههنا سؤالات:
السؤال الأول: لم قدم أهل الكتاب على المشركين في الذكر؟ الجواب: من وجوه أحدها: أنه عليه الصلاة والسلام، كان يقدم حق الله سبحانه على حق نفسه، ألا ترى أن القوم لما كسروا رباعيته قال: " اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون " ولما فاتته صلاة العصر يوم الخندق قال: " اللهم املأ بطونهم وقبورهم نارا " فكأنه عليه السلام قال: كانت الضربة ثم على وجه الصورة، وفي يوم الخندق على وجه السيرة التي هي الصلاة، ثم إنه سبحانه قضاه ذلك فقال: كما قدمت حقي على حقك فأنا أيضا أقدم حقك على حق نفسي، فمن ترك الصلاة طول عمره لا يكفر ومن طعن في شعرة من شعراتك يكفر. إذا عرفت ذلك فنقول: أهل الكتاب ما كانوا يطعنون في الله بل في الرسول، وأما المشركون فإنهم كانوا يطعنون في الله، فلما أراد الله تعالى في هذه الآية أن يذكر سوء حالهم بدأ أولا في النكاية بذكر من طعن في محمد عليه الصلاة والسلام وهم أهل الكتاب، ثم ثانيا بذكر من طعن فيه تعالى وهم المشركون وثانيها: أن جناية أهل الكتاب في حق الرسول عليه السلام كانت أعظم، لأن المشركين رأوه صغيرا ونشأ فيهما بينهم، ثم سفه أحلامهم وأبطل أديانهم، وهذا أمر شاق، أما أهل الكتاب فقد كانوا يستفتحون برسالته ويقرون بمبعثه فلما جاءهم أنكروه مع العلم به فكانت جنايتهم أشد.
السؤال الثاني: لم ذكر: * (كفروا) * بلفظ الفعل: * (والمشركين) * باسم الفاعل؟ والجواب: تنبيها على أن أهل الكتاب ما كانوا كافرين من أول الأمر لأنهم كانوا مصدقين بالتوراة والإنجيل، ومقرين بمبعث محمد صلى الله عليه وسلم، ثم إنهم كفروا بذلك بعد مبعثه عليه السلام بخلاف المشركين فإنهم ولدوا على عبادة الأوثان وإنكار الحشر والقيامة.
السؤال الثالث: أن المشركين كانوا ينكرون الصانع وينكرون النبوة وينكرون