من كوة البيت لا تمسها الأيدي، ثم قال: في الرابع تصير سرابا، كما قال: * (وسيرت الجبال فكانت سرابا) *.
المسألة الثالثة: لم يقل: يوم يكون الناس كالفراش المبثوث والجبال كالعهن المنفوش بل قال: * (وتكون الجبال كالعهن المنفوش) * لأن التكوير في مثل هذا المقام أبلغ في التحذير.
* (فأما من ثقلت موازينه) *.
واعلم أنه تعالى لما وصف يوم القيامة قسم الناس فيه إلى قسمين فقال: * (فأما من ثقلت موازينه) * واعلم أن في الموازين قولين: أحدهما: أنه جمع موزون وهو العمل الذي له وزن وخطر عند الله، وهذا قول الفراء قال: ونظيره يقال: عندي درهم بميزان درهمك ووزن درهمك وداري بميزان دارك ووزن دارك أي بحذائها والثاني: أنه جمع ميزان، قال ابن عباس: الميزان له لسان وكفتان لا يوزن فيه إلا الأعمال فيؤتى بحسنات المطيع في أحسن صورة، فإذا رجح فالجنة له ويؤتى بسيئات الكافر في أقبح صورة فيخف وزنه فيدخل النار. وقال الحسن: في الميزان له كفتان ولا يوصف، قال المتكلمون: إن نفس الحسنات والسيئات لا يصح وزنهما، خصوصا وقد نقضيا، بل المراد أن الصحف المكتوب فيها الحسنات والسيئات توزن، أو يجعل النور علامة الحسنات والظلمة علامة السيئات، أو تصور صحيفة الحسنات بالصورة الحسنة وصحيفة السيئات بالصورة القبيحة فيظهر بذلك الثقل والخفة، وتكون الفائدة في ذلك ظهور حال صاحب الحسنات في الجمع العظيم فيزداد سرورا، وظهور حال صاحب السيئات فيكون ذلك كالفضيحة له عند الخلائق.
* (فهو فى عيشة راضية) *.
أما قوله تعالى: * (فهو في عيشة راضية) * فالعيشة مصدر بمعنى العيش، كالخيفة بمعنى الخوف، وأما الراضية فقال الزجاج: معناه أي عيشة ذات رضا يرضاها صاحبها وهي كقولهم لابن، وتامر بمعنى ذو لبن وذو تمر، ولهذا قال المفسرون: تفسيرها مرضية على معنى يرضاها صاحبها.
* (وأما من خفت موازينه) *.
ثم قال تعالى: * (وأما من خفت موازينه) * أي قلت: حسناته فرجحت السيئات على الحسنات قال أبو بكر رضي الله عنه: إنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه باتباعهم الحق في الدنيا وثقله عليهم، وحق لميزان لا يوضع فيه إلا الحق أن يكون ثقيلا، وإنما خفت موازين من خفت موازينه باتباعهم الباطل في الدنيا وخفته عليهم، وحق لميزان يوضع فيه الباطل أن يكون خفيفا، وقال مقاتل: إنما كان كذلك لأن الحق ثقيل والباطل خفيف.