السؤال السابع: أليس أن كفار قريش كانوا ملأوا الكعبة من الأوثان من قديم الدهر، ولا شك أن ذلك كان أقبح من تخريب جدران الكعبة، فلم سلط الله العذاب على من قصد التخريب، ولم يسلط العذاب على من ملأها من الأوثان؟ والجواب: لأن وضع الأوثان فيها تعد على حق الله تعالى، وتخريبها تعد على حق الخلق، ونظيره قاطع الطريق، والباغي والقاتل يقتلون مع أنهم مسلمون، ولا يقتل الشيخ الكبير والأعمى وصاحب الصومعة والمرأة، وإن كانوا كفار، لأنه لا يتعدى ضررهم إلى الخلق.
السؤال الثامن: كيف القول في إعراب هذه الآية؟ الجواب: قال الزجاج: كيف في موضع نصب بفعل لا بقوله: * (ألم تر) * لأن كيف من حروف الاستفهام.
* (ألم يجعل كيدهم فى تضليل) *.
واعلم أنه تعالى ذكر ما فعل بهم. فقال: * (ألم يجعل كيدهم في تضليل) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: اعلم أن الكيد هو إرادة مضرة بالغير على الخفية، إن قيل: فلم سماه كيدا وأمره كان ظاهرا، فإنه كان يصرح أنه يهدم البيت؟ قلنا: نعم، لكن الذي كان في قلبه شر مما أظهر، لأنه كان يضمر الحسد للعرب، وكان يريد صرف الشرف الحاصل لهم بسبب الكعبة منهم ومن بلدهم إلى نفسه وإلى بلدته.
المسألة الثانية: قالت المعتزلة: إضافة الكيد إليهم دليل على أنه تعالى لا يرضى بالقبيح، إذ لو رضي لأضافه إلى ذاته، كقوله: * (الصوم لي) * والجواب: أنه ثبت في علم النحو أنه يكفي في حسن الإضافة أدنى سبب، فلم لا يكفي في حسن هذه الإضافة وقوعه مطابقا لإرادتهم واختيارهم؟.
المسألة الثالثة: * (في تضليل) * أي في تضييع وإبطال يقال: ضلل كيده إذا جعله ضالا ضائعا ونظيره قوله تعالى: * (وما دعاء الكافرين إلا في ضلال) * وقيل لامرئ القيس: الملك الضليل، لأنه ضلل ملك أبيه أي ضيعه. بمعنى أنهم كادوا البيت أولا ببناء القليس وأرادوا أن يفتتحوا أمره بصرف وجوه الحاج إليه، فضلل كيدهم بإيقاع الحريق فيه، ثم كادوه ثانيا بإرادة هدمه فضلل بإرسال الطير عليهم، ومعنى حرف الظرف كما يقال: سعى فلان في ضلال، أي سعيهم كان قد ظهر لكل عاقل أنه كان ضلال وخطأ.
* (وأرسل عليهم طيرا أبابيل) *.
ثم قال تعالى: * (وأرسل عليهم طيرا أبابيل) * وفيه سؤالات:
السؤال الأول: لم قال: * (طيرا) * على التنكير؟ والجواب: إما للتحقير فإنه مهما كان أحقر كان صنع الله أعجب وأكبر، أو للتفخيم كأنه يقول: طيرا وأي طير ترمى بحجارة صغيرة فلا تخطئ المقتل.