و قادرا، فإن كان موجبا لزم أن يقارنه الأثر فلم يبق إلا أنه مختار وهو عالم لأن التغير حصل على الترتيب الموافق للمصلحة.
المسألة الرابعة: إنما قال: * (من علق) * على الجمع لأن الإنسان في معنى الجمع، كقوله: * (إن الإنسان لفي خسر) *.
* (اقرأ وربك الاكرم * الذى علم بالقلم) *.
أما قوله تعالى: * (اقرأ وربك الأكرم، الذي علم بالقلم) * ففيه مسائل:
المسألة الأولى: قال بعضهم: اقرأ أولا لنفسك، والثاني للتبليغ أو الأول للتعلم من جبريل والثاني للتعليم. أو قرأ في صلاتك، والثاني خارج صلاتك.
المسألة الثانية: الكرم إفادة ما ينبغي لا لعوض، فمن يهب السكين ممن يقتل به نفسه فهو ليس بكريم، ومن أعطى ثم طلب عوضا فهو ليس بكريم، وليس يجب أن يكون العوض عينا بل المدح والثواب والتخلص عن المذمة كله عوض، ولهذا قال أصحابنا: إنه تعالى يستحيل أن يفعل فعلا لغرض لأنه لو فعل فعلا لغرض لكان حصول ذلك الغرض أولى له من لا حصوله، فحينئذ يستفيد بفعل ذلك الشيء حصول تلك الأولوية، ولو لم يفعل ذلك الفعل لما كان يحصل له تلك الأولوية، فيكون ناقصا بذاته مستكملا بغيره وذلك محال، ثم ذكروا في بيان أكرميته تعالى وجوها أحدها: أنه كم من كريم يحلم وقت الجناية، لكنه لا يبقى إحسانه على الوجه الذي كان قبل الجناية، وهو تعالى أكرم لأنه يزيد بإحسانه بعد الجناية، ومنه قول القائل:
متى زدت تقصيرا تزد لي تفضلا كأني بالتقصير أستوجب الفضلا وثانيها: إنك كريم لكن ربك أكرم وكيف لا وكل كريم ينال بكرمه نفعا إما مدحا أو ثوابا أو يدفع ضررا. أما أنا فالأكرم إذ لا أفعله إلا لمحض الكرم وثالثها: أنه الأكرم لأن له الابتداء في كل كرم وإحسان وكرمه غير مشوب بالتقصير ورابعها: يحتمل أن يكون هذا حثا على القراءة أي هذا الأكرم لأنه يجازيك بكل حرف عشرا أو حثا على الإخلاص، أي لا تقرأ لطمع ولكن لأجلي ودع على أمرك فأنا أكرم من أن لا أعطيك ما لا يخطر ببالك، ويحتمل أن المعنى تجرد لدعوة الخلق ولا تخف أحدا فأنا أكرم من أن آمرك بهذا التكيف الشاق ثم لا أنصرك.
المسألة الثالثة: أنه سبحانه وصف نفسه بأنه: * (خلق الإنسان من علق) * وثانيا بأنه علقة وهي بالقلم، ولا مناسبة في الظاهر بين لأمرين، لكن التحقيق أن أول حوال الإنسان كونه علقة وهي أخس الأشياء وآخر أمره هو صيرورته عالما بحقائق الأشياء، وهو أشرف مراتب المخلوقات فكأنه تعالى يقول: انتقلت من أخس المراتب إلى أعلى المراتب فلا بد لك من مدبر مقدر ينقلك من تلك الحالة الخسيسة إلى هذه الحالة الشريفة، ثم فيه تنبيه على أن العلم أشرف الصفات