على معرفة الذات، فكانت هذه السورة معادلة لثلث القرآن، وأما سورة: * (قل يا أيها الكافرون) * فهي معادلة لربع القرآن، لأن المقصود من القرآن إما الفعل وإما الترك وكل واحد منهما فهو إما في أفعال القلوب وإما في أفعال الجوارح فالأقسام أربعة، وسورة: * (قل يا أيها الكافرون) * لبيان ما ينبغي تركه من أفعال القلوب، فكانت في الحقيقة مشتملة على ربع القرآن، ومن هذا السبب اشتركت السورتان أعني: * (قل يا أيها الكافرون) *، و: * (قل هو الله أحد) * في بعض الأسامي فهما المقشقشتان والمبرئتان، من حيث إن كل واحدة منهما تقيد براءة القلب عما سوى الله تعالى، إلا أن: * (قل يا أيها الكافرون) * يفيد بلفظه البراءة عما سوى الله وملازمة الاشتغال بالله و: * (قل هو الله أحد) * يفيد بلفظه الاشتغال بالله وملازمة الإعراض عن غير الله أو من حيث إن: * (قل يا أيها الكافرون) * تفيد براءة القلب عن سائر المعبودين سوى الله، و: * (قل هو الله أحد) * تفيد براءة المعبود عن كل مالا يليق به الوجه الثاني: وهو أن ليلة القدر لكونها صدقا للقرآن كانت خيرا من ألف شهر فالقرآن كله صدف والدر هو قوله: * (قل هو الله أحد) * فلا جرم حصلت لها هذه الفضيلة الوجه الثالث: وهو أن الدليل العقلي دل على أن أعظم درجات العبد أن يكون قلبه مستنيرا بنور جلال الله وكبريائه، وذلك لا يحصل إلا من هذه السورة، فكانت هذه السورة أعظم السور، فإن قيل: فصفات الله أيضا مذكورة في سائر السور، قلنا: لكن هذه السورة لها خاصية وهي أنها لصغرها في الصورة تبقى محفوظة في القلوب معلومة للعقول فيكون ذكر جلال الله حاضرا أبدا بهذا السبب، فلا جرم امتازت عن سائر السور بهذه الفضائل وليرجع الآن إلى التفسير.
قوله تعالى: * (قل هو الله أحد) * فيه مسائل:
المسألة الأولى: اعلم أن معرفة الله تعالى جنة حاضرة إذا لجنة أن تنال ما يوافق عقلك وشهوتك، ولذلك لم تكن الجنة جنة لآدم لما نازع عقله هواه، ولا كان القبر سجنا على المؤمن لأنه حصل له هناك ما يلائم عقله وهواه، ثم إن معرفة الله تعالى مما يريدها الهوى والعقل، فصارت جنة مطلقة، وبيان ما قلنا: أن العقل يريد أمينا تودع عنده الحسنات، والشهوة تريد غنيا يطلب منه المستلذات، بل العقل كالإنسان الذي له همة عالية فلا ينقاد إلا لمولاه، والهوى كالمنتجع الذي إذا سمع حضور غني، فإنه ينشط للانتجاع إليه، بل العقل يطلب معرفة المولى ليشكر له النعم الماضية والهوى يطلبها ليطمع منه في النعم المتربصة، فلما عرفاه كما أراده عالما وغنيا تعلقا بذيله، فقال العقل: لا أشكر أحدا سواك، وقالت الشهوة: لا أسأل أحدا إلا إياك، ثم جاءت الشبهة فقالت: يا عقل كيف أفردته بالشكر ولعل له مثلا؟ ويا شهوة كيف اقتصرت عليه ولعل ههنا بابا آخر؟ فبقي العقل متحيرا وتنغصت عليه تلك الراحة، فأراد أن يسافر في عالم الاستدلال ليفوز بجوهرة اليقين فكأن الحق سبحانه قال: كيف أنغص على عبدي لذة الاشتغال بخدمتي وشكري، فبعث الله رسوله وقال: لا تقله من عند نفسك، بل قل هو الذي عرفته صادقا