بالله) * إنما أمره بالاستعاذة هناك لأجل قراءة القرآن، وإنما أمره بالاستعاذة ههنا في هذه السورة لأجل حفظ النفس والبدن عن السحر، والمهم الأول أعظم، فلا جرم ذلك هناك الاسم الأعظم وثانيها: أن الشيطان يبالغ حال منعك من العبادة أشد مبالغة في إيصال الضر إلى بدنك وروحك، فلا جرم ذكر الاسم الأعظم هناك دون ههنا وثالثها: أن اسم الرب يشير إلى التربية فكأنه جعل تربية الله له فيما تقدم وسيلة إلى تربيته له في الزمان الآتي، أو كان العبد يقول: التربية والإحسان حرفتك فلا تهملني، ولا تخيب رجائي ورابعها: أن بالتربية صار شارعا في الإحسان، والشروع ملزم وخامسها: أن هذه السورة آخر سور القرآن فذكر لفظ الرب تنبيها على أنه سبحانه لا تنقطع عنك تربيته وإحسانه، فإن قيل: إنه ختم القرآن على اسم الإله حيث قال: * (ملك الناس إله الناس) * قلنا: فيه لطيفة وهي كونه تعالى قال: قل أعوذ بمن هو ربي ولكنه إله قاهر لوسوسة الخناس فهو كالأب المشفق الذي يقول ارجع عند مهماتك إلى أبيك المشفق عليك الذي هو كالسيف القاطع والنار المحرقة لأعدائك فيكون هذا من أعظم أنواع الوعد بالإحسان والتربية وسادسها: كان الحق قال لمحمد عليه السلام: قلبك لي فلا تدخل فيه حب غيري، ولسانك لي فلا نذكر به أحدا غيري، وبدنك لي فلا تشغله بخدمة غيري، وإن أردت شيئا فلا تطلبه إلا مني، فإن أردت العلم فقل: * (رب زدني علما) * وإن أردت الدنيا فاسألوا الله من فضله، وإن خفت ضررا فقل: * (أعوذ برب الفلق) * فإني أنا الذي وصفت نفسي بأني خالق الأصباح. وبأني فالق الحب والنوى، وما فعلت هذه الأشياء إلا لأجلك، فإذا كنت أفعل كل هذه الأمور لأجلك، أفلا أصونك عن عن الآفات والمخافات.
المسألة الرابعة: ذكروا في: * (الفلق) * وجوها أحدها: أنه الصبح وهو قول الأكثرين قال الزجاج: لأن الليل يفلق عنه الصبح ويفرق فعل بمعنى مفعول يقال: هو أبين من فلق الصبح ومن فرق الصبح وتخصيصه في التعوذ لوجوه الأول: أن القادر على إزالة هذه الظلمات الشديدة عن كل هذا العالم يقدر أيضا أن يدفع عن العائذ كل ما يخافه ويخشاه الثاني: أن طلوع الصبح كالمثال لمجيء الفرج، فكما أن الإنسان في الليل يكون منتظرا لطلوع الصباح كذلك الخائف يكون مترقيا لطلوع صباح النجاح الثالث: أن الصبح كالبشري فإن الإنسان في الظلام يكون كلحم على وضم، فإذا ظهر الصبح فكأنه صاح بالأمان وبشر بالفرج، فلهذا السبب يجد كل مريض ومهموم خفة في وقت السحر، فالحق سبحانه يقول: * (قل أعوذ برب) * يعطي إنعام فلق الصبح قبل السؤال، فكيف بعد السؤال الرابع: قال بعضهم: إن يوسف عليه السلام لما ألقى في الجب وجعت ركبته وجعا شديدا فبات ليلته ساهرا فلما قرب طلوع الصبح نزل جبريل عليه السلام بإذن الله يسليه ويأمره بأن يدعوا ربه فقال: يا جبريل ادع أنت وأؤمن أنا فدعا جبريل وأمن يوسف فكشف الله ما كان به من الضر، فلما طاب وقت يوسف قال جبريل: وأنا أدعو أيضا