ووضعنا عنك وزرك (2) الذي أنقض ظهرك الرسالة وأنت قوي القلب ولحقتهم هيبة، فلم يجيبوا لك جوابا، فلو كنت ضيق القلب لضحكوا منك، فسبحان من جعل قوة قلبك جبنا فيهم، وانشراح صدرك ضيقا فيهم.
ثم قال تعالى (ووضعنا عنك وزرك، الذي أنقض ظهرك) وفيه مسائل:
(المسألة الأولى) قال المبرد هذا محمول على معنى ألمن نشرح لا على لفظه، لأنك لا تقول ألم وضعنا ولكن معنى ألم نشرح قد شرحنا، فحمل الثاني على معنى الأول لا على ظاهر اللفظ، لأنه لو كان معطوفا على ظاهره لوجب أن يقال ونضع عنك وزرك.
(المسألة الثانية) معنى الوزر ثقل الذنب، وقد مر تفسيره عند قوله (وهم يحملون أوزارهم) وهو كقوله تعالى (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر).
وأما قوله (أنقض ظهرك) فقال علماء اللغة الأصل فيه أن الظهر إذا أثقله الحمل سمع له نقيض أي صوت خفى. وهو صوت المحامل والرحال والأضلاع. أو البعير إذا أثقله الحمل فهو مثل لما كان يقتل على رسول الله صلى الله عليه وسلم من أوزاره.
(المسألة الثالثة) احتج بهذه الآية من أثبت المعصية للأنبياء عليهم السلام (والجواب عنه من وجهين (الأول) أن الذين يجوزون الصائر على الأنبياء عليهم السلام حملوا هذه الآية عليها، لا يقال إن قوله (الذي أنقض ظهرك) يدل على كونه عظيما، فكيف يليق ذلك بالصغائر، لأنا نقول: إنما وصف ذلك بانقاض الظهر مع كونها مغفورة لشدة اغتمام النبي صلى الله عليه وسلم بوقوعه منه وتحسره مع ندمه عليه، أو إنما وصفه بذلك لان تأثير فيما يزول به من الثواب عظيم، فيجوز لذلك ما ذكره الله تعالى. هذا تقرير الكلام على قول المعتزلة وفيه إشكال، وهو أن العفو عن الصغيرة واجب على الله تعالى عند القاضي، والله تعالى ذكر هذه الآية في معرض الامتنان، ومن المعلوم أن الامتنان بفعل الواجب غير جائز (الوجه الثاني) أن يحمل ذلك على غير الذئب، وفيه وجوه (أحدها) قال قتادة كانت النبي صلى الله عليه وسلم ذنوب سلفت منه في الجاهلية قب النبوة، وقد أثقلته فغفرها له (وثانيها) أن المراد منه تخفيف أعباء النبوة التي تثقل الظهر من القيام بأمرها وحفظ موجباتها والمحافظة على حقوقها، فسهل الله تعالى ذلك عليه، وحط عنه ثقلها بأن يسرها منعهم حتى تيسرت له (وثالثها) الوزر ما كان يكرهه من تغييرهم لسنة الخليل، وكان لا يقدر على منعهم إلى أن قواه الله، وقال له (أن اتبع ملة إبراهيم) (ورابعها) أنها ذنوب أمته صارت كالوزر عليه، ماذا يصنع في حقهم إلى أن قال (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم) فأمنه من العذاب في العاجل، ووعد له الشفاعة في الآجل (وخامسها) معناه عصمناك من الوزر الذي ينقض ظهرك، لو كان ذلك الذنب حاصلا، فسمى العصمة وضعا مجازا، فمن ذلك ما روى أنه حضر وليمة