نفس العمل بل المجاز في ذلك أدخل من الحقيقة، وفي قراءة النبي صلى الله عليه وسلم: * (ليروا) * بالفتح.
* (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) *.
ثم قال تعالى: * (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: * (مثقال ذرة) * أي زنة ذرة قال الكلبي: الذرة أصغر النمل، وقال ابن عباس: إذا وضعت راحتك على الأرض ثم رفعتها فكل واحد مما لزق به من التراب مثقال ذرة فليس من عبد عمل خيرا أو شرا قليلا أو كثيرا إلا أراه الله تعالى إياه.
المسألة الثانية: في رواية عن عاصم: * (يره) * برفع الياء وقرأ الباقون: * (يره) * بفتحها وقرأ بعضهم: * (يره) * بالجزم.
المسألة الثالثة: في الآية إشكال وهو أن حسنات الكافر محبطة بكفره وسيئات المؤمن مغفورة، إما ابتداء وإما بسبب اجتناب الكبائر، فما معنى الجزاء بمثاقيل الذرة من الخير والشر؟.
واعلم أن المفسرين أجابوا عنه من وجوه: أحدها: قال أحمد بن كعب القرظي: * (فمن يعمل مثقال ذرة) * من خير وهو كافر فإنه يرى ثواب ذلك في الدنيا حتى يلقى الآخرة، وليس له فيها شيء، وهذا مروي عن ابن عباس أيضا، ويدل على صحة هذا التأويل ما روى أنه عليه السلام قال لأبي بكر: " يا أبا بكر ما رأيت في الدنيا مما تكره فبمثاقيل ذر الشر ويدخر الله لك مثاقيل الخير حتى توفاها يوم القيامة " وثانيها: قال ابن عباس: ليس من مؤمن ولا كافر عمل خيرا أو شرا إلا أراه الله إياه، فأما المؤمن فيغفر الله سيئاته ويثيبه بحسناته، وأما الكافر فترد حسناته ويعذب بسيئاته وثالثها: أن حسنات الكافر وإن كانت محبطة بكفره ولكن الموازنة معتبرة فتقدر تلك الحسنات انحبطت من عقاب كفره، وكذا القول في الجانب الآخر فلا يكون ذلك قادحا في عموم الآية ورابعها: أن تخصص عموم قوله: * (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره) * ونقول: المراد فمن يعمل من السعداء مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل من الأشقياء مثقال ذرة شرا يره.
المسألة الرابعة: لقائل أن يقول: إذا كان الأمر إلى هذا الحد فأين الكرم؟ والجواب: هذا هو الكرم، لأن المعصية وإن قلت ففيها استخفاف، والكريم لا يحتمله وفي الطاعة تعظيم، وإن قل فالكريم لا يضيعه، وكأن الله سبحانه يقول لا تحسب مثقال الذرة من الخير صغيرا، فإنك مع لؤمك وضعفك لم تضيع مني الذرة، بل اعتبرتها ونظرت فيها، واستدللت بها على ذاتي وصفاتي واتخذتها مركبا به وصلت إلي، فإذا لم تضيع ذرتي أفأضيع ذرتك! ثم التحقيق أن المقصود هو النية والقصد، فإذا كان العمل قليلا لكن النية خالصة فقد حصل المطلوب، وإن كان العمل كثيرا والنية دائرة فالمقصود فائت، ومن ذلك ما روى عن كعب: لا تحقروا شيئا من المعروف، فإن رجلا دخل الجنة بإعارة إبرة في سبيل الله، وإن امرأة أعانت بحبة في بناء بيت