النبي عليه الصلاة والسلام بماذا تفضل! فقال: تبا لهذا الدين يستوي فيه أنا وغيري ورابعها: كان إذا وفد على النبي وفد سألوا عمه عنه وقالوا: أنت أعلم به فيقول لهم: إنه ساحر فيرجعون عنه ولا يلقونه، فأتاه وفد فقال لهم مثل ذلك فقالوا: لا ننصرف حتى نراه فقال: إنا لم نزل نعالجه من الجنون فتبا له وتعسا، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فحزن ونزلت السورة.
بسم الله الرحمن الرحيم * (تبت يدآ أبى لهب وتب) *.
قوله تعالى: * (تبت يدا أبي لهب) * اعلم أن قوله: * (تبت) * فيه أقاويل أحدها: التباب الهلاك، ومنه قولهم شابة أم تابة أي هالكة من الهرم، ونظيره قوله تعالى: * (وما كيد فرعون إلا في تباب) * أي في هلاك، والذي يقرر ذلك ن الأعرابي لما واقع أهله في نهار رمضان قال: هلكت وأهلكت، ثم إن النبي عليه الصلاة والسلام ما أنكر ذلك، فدل على أنه كان صادقا في ذلك، ولا شك أن العمل إما أن يكون داخلا في الإيمان، أو إن كان داخلا لكنه أضعف أجزائه، فإذا كان بترك العمل حصل الهلاك، ففي حق أبي لهب حصل ترك الاعتقاد والقول والعمل، وحصل وجود الاعتقاد الباطل، والقول الباطل، والعمل الباطل، فكيف يعقل أن لا يحصل معنى الهلاك، فلهذا قال: * (تبت) * وثانيها: تبت خسرت، والتياب هو الخسران المفضي إلى الهلاك، ومنه قوله تعالى: * (وما زادوهم غير تتبيب) * أي تخسير بدليل أنه قال في موضع آخر: غير تخسير وثالثها: تبت خابت، قال ابن عباس: لأنه كان يدفع القوم عنه بقوله: إنه ساحر، فينصرفون عنه قبل لقائه لأنه كان شيخ القبيلة وكان له كالأب فكان لا يتهم، فلما نزلت السورة وسمع بها غضب وأظهر العداوة الشديدة فصار متهما فلم يقبل قوله في الرسول بعد ذلك، فكأنه خاب سعيه وبطل غرضه، ولعله إنما ذكر اليد لأنه كان يضرب بيده على كتف الوافد عليه، فيقول: انصرف راشدا فإنه مجنون، فإن المعتاد أن من يصرف إنسانا عن موضع وضع يده علي كتفه ودفعه عن ذلك الموضع ورابعها: عن عطاء تبت أي غلبت لأنه كان يعتقد أن يده هي العليا وأنه يخرجه من مكة ويذله ويغلب عليه وخامسها: عن ابن وثاب؛ صفرت يداه على كل خير، وإن قيل: ما فائدة ذكر اليد؟ قلنا: فيه وجوه أحدها: ما يرى أنه أخذ حجرا ليرمي به رسول الله، روى عن طارق المحاربي أنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في السوق يقول: يا أيها الناس قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا، ورجل خلفه يرميه بالحجارة وقد أدمى عقبيه،