ويدل عليه وجوه الأول: أنه يلزم على هذا التقدير أن الذي أمر بالتعوذ منه هو الذي أمرنا أن نتعوذ به، وذلك متناقض والثاني: أن أفعال الله كلها حكمة وصواب، وذلك لا يجوز أن يقال: إنه شر والثالث: أن فعل الله لو كان شرا لوصف فاعله بأنه شرير ويتعالى الله عن ذلك والجواب: عن الأول أنا بينا أنه لا امتناع في قوله أعوذ بك منك؟ وعن الثاني أن الإنسان لما تألم به فإنه يعد شرا، فورد اللفظ على وفق قوله، كما في قوله: * (وجزاء سيئة سيئة مثلها) * وقوله: * (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) * وعن الثالث أن أسماء الله توقيفية لا اصطلاحية، ثم الذي يدل على جواز تسمية الأمراض والأسقام بأنها شرور قوله تعالى: * (إذا مسه الشر جزوعا) * وقوله: * (وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض) * وكان عليه السلام: " وأعوذ بك من شر طوارق الليل والنهار ".
المسألة الثانية: طعن بعض الملحدة في قوله: * (قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق) * من وجوه أحدها: أن المستعاذ منه أهو واقع بقضاء الله وقدره، أولا بقضاء الله ولا بقدره؟ فإن كان الأول فكيف أمر بأن يستعيذ بالله منه، وذلك لأن ما قضى الله به وقدره فهو واقع، فكأنه تعالى يقول: الشيء الذي قضيت بوقوعه، وهو لا بد واقع فاستعذ بي منه حتى لا أوقعه، وإن لم يكن بقضائه وقدره فذلك يقدح في ملك الله وملكوته وثانيها: أن المستعاذ منه إن كان معلوم الوقوع فلا دافع له، فلا فائدة في الاستعاذة وإن كان معلوم اللاوقوع، فلا حاجة إلى الاستعاذة وثالثها: أن المستعاذ منه إن كان مصلحة فكيف رغب المكلف في طلب دفعه ومنعه، وإن كان مفسدة فكيف خلقه وقدره، واعلم أن الجواب عن أمثال هذه الشبهات، أن يقال إنه: * (لا يسأل عما يفعل) * وقد تكرر هذا الكلام في هذا الكتاب.
* (ومن شر غاسق إذا وقب) *.
قوله تعالى: * (ومن شر غاسق إذا وقب) * ذكروا في الغاسق وجوها أحدها: أن الغاسق هو الليل إذا عظم ظلامه من قوله: * (إلى غسق الليل) * ومنه غسقت العين إذا امتلأت دمعا وغسقت الجراحة إذا امتلأت دما، وهذا قول الفراء وأبي عبيدة، وأنشد ابن قيس: إن هذا الليل قد غسقا * واشتكيت الهم والأرقا وقال الزجاج الغاسق في اللغة هو البارد، وسمي الليل غاسقا لأنه أبرد من النهار، ومنه قوله إنه الزمهرير وثالثها: قال قوم: الغاسق والغساق هو السائل من قولهم: غسقت العين تغسق غسقا إذا سالت بالماء، وسمي الليل غاسقا لانصباب ظلامه على الأرض، أما الوقوب فهو الدخول في شيء آخر بحيث يغيب عن العين، يقال: وقب يقب وقوبا إذا دخل، الوقبة النقرة لأنه يدخل فيها الماء، والإيقاب إدخال الشيء في الوقبة، هذا ما يتعلق باللغة وللمفسرين في الآية أقوال: