فأنت مع علمك بأنه يستحيل عقلا أن يشاركني غيري في المعبودية أولى أن تنادي في العالمين بنفي هذه الشركة. فقل: * (يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون) * الخامس والعشرون: كأنه تعالى يقول: القوم جاؤوك وأطمعوك في متابعتهم لك ومتابعتك لدينهم فسكت عن الإنكار والرد، ألست أنا جعلت البيعة معك بيعة معي حيث قلت: * (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله) * وجعلت متابعتك متابعة لي حيث قلت: * (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) * ثم إني ناديت في العالمين وقلت: * (إن الله بريء عن المشركين ورسوله) * فصرح أنت أيضا بذلك، و: * (قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون) *، السادس والعشرون: كأنه تعالى يقول: ألست أرأف بك من الولد بولده، ثم العرى والجوع مع الوالد أحسن من الشبع مع الأجانب، كيف والجوع لهم لأن أصنامهم جائعة عن الحياة عارية عن الصفات وهم جائعون عن العلم عارون عن التقوى، فقد جربتني، ألم أجدك يتيما وضالا وعائلا، ألم نشرح لك صدرك، ألم أعطك بالصديق خزينة وبالفاروق هيبة وبعثمان معونة، وبعلي علما، ألم أكف أصحاب الفيل حين حاولوا تخريب بلدتك، ألم أكف أسلافك رحلة الشتاء والصيف، ألم أعطك الكوثر، ألم أضمن أن خصمك أبتر، ألم يقل جدك في هذه الأصنام بعد تخريبها: * (لم تعبد مالا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا) * فصرح بالبراءة عنها و: * (قل يا أيها الكافرون، لا أعبد ما تعبدون) * السابع والعشرون: كأنه تعالى يقول: يا محمد ألست قد أنزلت عليك: * (فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا) * ثم إن واحدا لو نسبك إلى والدين لغضبت ولأظهرت الإنكار ولبالغت فيه، حتى قلن: " ولدت من نكاح ولم أولد من سفاح " فإذا لم تسكت عند التشريك في الولادة، فكيف سكت عند التشريك في العبادة! بل أظهر الإنكار، وبالغ في التصريح به، و: * (قل يا أيها الكافرون، لا أعبد ما تعبدون) *، الثامن والعشرون: كأنه تعالى يقول يا محمد ألست قد أنزلت عليك: * (أفمن يخلق كمن لا يحلق أفلا تذكرون) * فحكمت بأن من سوى بين الإله الخالق وبين الوثن الجماد في المعبودية لا يكون عاقلا بل يكون مجنونا، ثم إني أقسمت وقلت: * (ن والقلم وما يسطرون، ما أنت بنعمة ربك بمجنون) * والكفار يقولون: إنك مجنون، فصرح برد مقالتهم فإنها تفيد براءتي عن عيب الشرك، وبراءتك عن عيب الجنون و: * (قل يا أيها الكافرون، لا أعبد ما تعبدون) *، التاسع والعشرون: أن هؤلاء الكفار سموا الأوثان آلهة، والمشاركة في الاسم لا توجب المشاركة في المعنى، ألا ترى أن الرجل والمرأة يشتركان في الإنسانية حقيقة، ثم القيمية كلها حظ الزوج لأنه أعلم وأقدر، ثم من كان أعلم وأقدر كان له كل الحق في القيمية، فمن لا قدرة له ولا علم البتة كيف يكون له حق في القيومية، بل ههنا شيء آخر: وهو أن امرأة لو ادعاها رجلان فاصطلحا عليها لا يجوز، ولو أقام كل واحد منها بينة على أنها زوجته لم يقض لواحد منهما، والجارية بين اثنين لا تحل لواحد منهما، فإذا لم يحز حصول زوجة لزوجين، ولا أمة بين موليين في حل الوطء
(١٤٠)