يقول لي: * (قل هو الله أحد) * فعرفك الوحدانية بالسمع وكفاك مؤنة النظر والاستدلال بالعقل، وتحقيقه أن المطالب على ثلاثة أقسام قسم منها لا يمكن الوصول إليه بالسمع وهو كل ما تتوقف صحة السمع على صحته كالعلم بذات الله تعالى وعلمه وقدرته وصحة المعجزات، وقسم منها لا يمكن الوصول إليه إلا بالسمع وهو وقوع كل ما علم بالعقل والسمع معا، وهو كالعلم بأنه واحد وبأنه مرئي إلى غيرهما، وقد استقصينا في تقرير دلائل الوحدانية في تفسير قوله تعالى: * (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) *.
المسألة الثانية: اعلم أنهم أجمعوا على أنه لا بد في سورة: * (قل يا أيها الكافرون) * من قل وأجمعوا على أنه لا يجوز لفظ قل في سورة: * (تبت) * وأما في هذه السورة فقد اختلفوا، فالقراءة المشهورة: * (قل هو الله أحد) * وقرأ أبي وابن مسعود. بغير قل هكذا: * (هو الله أحد) * وقرأ النبي صلى الله عليه وسلم، بدون قل هو هكذا: * (الله أحد الله الصمد) * فمن أثبت قل قال: السبب فيه بيان أن النظم ليس في مقدوره، بل يحكي كل ما يقال له، ومن حذفه قال: لئلا يتوهم أن ذلك ما كان معلوما للنبي عليه الصلاة والسلام.
المسألة الثالثة: اعلم أن في إعراب هذه الآية وجوها أحدها: أن هو كناية عن اسم الله، فيكون قوله: الله مرتفعا بأنه خبر مبتدأ، ويجوز في قوله: * (أحد) * ما يجوز في قولك: زيد أخوك قائم الثاني: أن هو كناية عن الشأن، وعلى هذا التقرير يكون الله مرتفعا بالابتداء وأحد خبره، والجملة تكون خبرا عن هو، والتقدير الشأن والحديث: هو أن الله أحد، ونظيره قوله: * (فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا) * إلا أن هي جاءت على التأنيث، لأن في التفسير: اسما مؤنثا، وعلى هذا جاء: * (فإنها لا تعمي الأبصار) * أما إذا لم يكن في التفسير مؤنث لم يؤنث ضمير القصة، كقوله: * (إنه من يأت ربه مجرما) * والثالث: قال الزجاج: تقدير هذه الآية أن هذا الذي سألتم عنه هو الله أحد.
المسألة الرابعة: في أحد وجهان أحدهما: أنه بمعنى واحد، قال الخليل: يجوز أن يقال: أحد اثنان وأصل أحد وحد إلا أنه قلبت الواو همزة للخفيف وأكثر ما يفعلون هذا بالواو المضمومة، والمكسورة كقولهم: وجوه وأجوه وسادة وأسادة والقول الثاني: أن الواحد والأحد ليسا اسمين مترادفين قال الإهري: لا يوصف شيء بالأحدية غير الله تعالى لا يقال: رجل أحد ولا درهم أحدكما يقال: رجل واحد أي فرد به بل أحد صفة من صفات الله تعالى استأثر بها فلا يشركه فيها شيء. ثم ذكروا في الفرق بين الواحد والأحد وجوها أحدها: أن الواحد يدخل في الأحد والأحد لا يدخل فيه وثانيها: أنك إذا قلت: فلان لا يقاومه واحد، جاز أن يقال: لكنه يقاومه اثنان بخلاف الأحد، فإنك لو قلت: فلان لا يقاومه أحد لا يجوز أن يقال: لكنه يقاومه اثنان