المسألة الثانية: قال الجبائي: هذه الآية تبطل قول القدرية الذين قالوا: إن الناس تفرقوا في الشقاوة والسعادة في أصلاب الآباء قبل أن تأتيهم البينة والجواب: أن هذا ركيك لأن المراد منه أن علم الله بذلك وإرادته له حاصل في الأزل، أما ظهوره من المكلف فإنما وقع بعد الحالة المخصوصة.
المسألة الثالثة: قالوا: هذه الآية دالة على أن الكفر والتفرق فعلمهم لا أنه مقدر عليهم لأنه قال: * (إلا من بعد ما جاءتهم البينة) *، ثم قال: * (أوتو الكتاب) * أي أن الله وملائكته آتاهم ذلك فالخير والتوفيق مضاف إلى الله، والشر والتفرق والكفر مضاف إليهم.
المسألة الرابعة: المقصود من هذه الآية تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم أي لا يغمنك تفرقهم فليس ذلك لقصور في الحجة بل لعنادهم، فسلفهم هكذا كانوا لم يتفرقوا في السبت وعبادة العجل: * (إلا من بعد ما جاءتهم البينة) * فهي عادة قديمة لهم.
* (ومآ أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفآء ويقيموا الصلوة ويؤتوا الزكوة وذلك دين القيمة) *.
أما قوله تعالى: * (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: في قوله: * (وما أمروا) * وجهان: أحدهما: أن يكون المراد: * (وما أمروا) * في التوراة والإنجيل إلا بالدين الحنيفي، فيكون المراد أنهم كانوا مأمورين بذلك إلا أنه تعالى لما أتبعه بقوله: * (وذلك دين القيمة) * علمنا أن ذلك الحكم كما أنه كان مشروعا في حقهم فهو مشروع في حقنا وثانيها: أن يكون المراد: وما أمر أهل الكتاب على لسان محمد صلى الله عليه وسلم إلا بهذه الأشياء، وهذا أولى، لثلاثة أوجه: أحدها: أن الآية على هذا التقدير تفيد شرعا جديدا وحمل كلام الله على ما يكون أكثر فائدة أولى وثانيها: وهو أن ذكر محمد عليه السلام قد مر ههنا وهو قوله: * (حتى تأتيهم البينة) * وذكر سائر الأنبياء عليهم السلام لم يتقدم وثالثها: أنه تعالى ختم الآية بقوله: * (وذلك دين القيمة) * فحكم بكون ما هو متعلق هذه الآية دينا قيما فوجب أن يكون شرعا في حقنا سواء قلنا: بأنه شرع من قبلنا أو شرع جديد يكون هذا بيانا لشرع محمد عليه الصلاة والسلام وهذا قول مقاتل.
المسألة الثانية: في قوله: * (إلا ليعبدوا الله) * دقيقة وهي أن هذه اللام لام الغرض، فلا يمكن حمله على ظاهره لأن كل من فعل فعلا لغرض فهو ناقص لذاته مستكمل بذلك الغرض، فلو فعل الله فعلا لكان ناقصا لذاته مستكملا بالغير وهو محال، لأن ذلك الغرض إن كان قديما