الله وشرح جلاله، وهو سورة: * (قل هو الله أحد) * ثم أتبعه بذكر مراتب مخلوقاته في سورة: * (قل أعوذ برب الفلق) * ثم ختم بذكر مراتب النفس الإنسانية، وعند ذلك ختم الكتاب، وهذه الجملة إنما يتضح تفصيلها عند تفسير هذه السورة على التفصيل، فسبحان من أرشد العقول إلى معرفة هذه الأسرار الشريفة المودعة في كتابه الكريم.
الفائدة الثانية: في قوله: * (إنا أعطيناك الكوثر) * هي أن كلمة: * (إنا) * تارة يراد بها الجمع وتارة يراد بها التعظيم.
أما الأول: فقد دل على أن الإله واحد، فلا يمكن حمله على الجمع، إلا إذا أريد أن هذه العطية مما سعى في تحصيلها الملائكة وجبريل وميكائيل والأنبياء المتقدمون، حين سأل إبراهيم إرسالك، فقال: * (ربنا وابعث فيهم رسولا منهم) * وقال موسى: رب اجعلني من أمة أحمد. وهو المراد من قوله: * (وما كنت بجانبي الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر) * وبشر بك المسيح في قوله: * (ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد) *.
وأما الثاني: وهو أن يكون ذلك محمولا على التعظيم، ففيه تنبيه على عظمة العطية لأن الواهب هو جبار السماوات والأرض والموهوب منه، هو المشار إليه بكاف الخطاب في قوله تعالى: * (إنا أعطيناك) * والهبة هي الشيء المسمى بالكوثر، وهو ما يفيد المبالغة في الكثرة، ولما أشعر اللفظ بعظم الواهب والموهوب منه والموهوب، فيالها من نعمة ما أعظمها، وما أجلها، ويا له من تشريف ما أعلاه.
الفائدة الثالثة: أن الهدية وإن كانت قليلة لكنها بسبب كونها واصلة من المهدي العظيم تصير عظيمة، ولذلك فإن الملك العظيم إذا رمى تفاحة لبعض عبيده على سبيل الإكرام يعد ذلك إكراما عظيما، لا لأن لذة الهدية في نفسها، بل لأن صدورها من المهدي العظيم يوجب كونها عظيمة، فههنا الكوثر وإن كان في نفسه في غاية الكثرة، لكنه بسبب صدوره من ملك الخلائق يزداد عظمة وكمالا.
الفائدة الرابعة: أنه لما قال: * (أعطيناك) * قرن به قرينة دالة على أنه لا يسترجعها، وذلك لأن من مذهب أبي حنيفة أنه يجوز للأجنبي أن يسترجع موهوبه، فإن أخذ عوضا وإن قل لم يجز له ذلك الرجوع، لأن من وهب شيئا يساوي ألف دينار إنسانا، ثم طلب منه مشطا يساوي فلسا فأعطاه، سقط حق الرجوع فههنا لما قال: * (إنا أعطيناك الكوثر) * طلب منه الصلاة والنحر وفائدته إسقاط حق الرجوع.
الفائدة الخامسة: أنه بنى الفعل على المبتدأ، وذلك يفيد التأكيد والدليل عليه أنك لما ذكرت الاسم المحدث عنه عرف العقل أنه يخبر عنه بأمر فيصبر مشتاقا إلى معرفة أنه بماذا يخبر عنه، فإذا ذكر ذلك الخبر قبله قبول العاشق لمعشوقه، فيكون ذلك أبلغ في التحقيق ونفى الشبهة