وهو كون روحه القدسية متميزة عن سائر الأرواح البشرية بالكم والكيف. أما بالكم فلأنها أكثر مقدمات، وأما بالكيف فلأنها أسرع انتقالا من تلك المقدمات إلى النتائج من سائر الأرواح، وأما قوله: * (فصل لربك) * فهو إشارة إلى المرتبة الثانية، وقوله: * (وانحر) * إشارة إلى المرتبة الثالثة، فإن منع النفس عن اللذات العاجلة جار مجرى النحر والذبح، ثم قال: * (إن شانئك هو الأبتر) * ومعناه أن النفس التي تدعوك إلى طلب هذه المحسوسات والشهوات العاجلة، أنها دائرة فانية، وإنما الباقيات الصالحات خير عند ربك، وهي السعادات الروحانية والمعارف الربانية التي هي باقية أبدية. ولنشرع الآن في التفسير قوله تعالى: * (إنا أعطيناك الكوثر) * اعلم أن فيه فوائد:
الفائدة الأولى: أن هذه السورة كالتتمة لما قبلها من السور، وكالأصل لما بعدها من السور. أما أنها كالتتمة لما قبلها من السور، فلأن الله تعالى جعل سورة: * (والضحى) * في مدح محمد عليه الصلاة والسلام وتفصيل أحواله، فذكر في أول السورة ثلاثة أشياء تتعلق بنبوته أولها: قوم: * (ما ودعك ربك وما قلى) *، وثانيها: قوله: * (وللآخرة خير لك من الأولى) * وثالثها: * (ولسوف يعطيك ربك فترضى) * ثم ختم هذه السورة بذكر ثلاثة أحوال من أحواله عليه السلام فيما يتعلق بالدنيا وهي قوله: * (ألم يجدك يتيما فآوى، ووجدك ضالا فهدى، ووجدك عائلا فأغنى) *.
ثم ذكر في سورة: * (ألم نشرح) * أنه شرفه بثلاثة أشياء أولها: * (ألم نشرح لك صدرك) * وثانيها: * (ووضعنا عنك وزرك، الذي انقض ظهرك) *، وثالثها: * (ورفعنا لك ذكرك) *.
ثم إنه تعالى شرفه في سورة: * (التين) * بثلاثة أنواع من التشريف أولها: أنه أقسم ببلده وهو قوله: * (وهذا البلد الأمين) *، وثانيها: أنه أخبر عن خلاص أمته عن النار وهو قوله: * (إلا الذين آمنوا) *، وثالثها: وصولهم إلى الثواب وهو قوله: * (فلهم أجر غير ممنون) *.
ثم شرفه في سورة اقرأ بثلاثة أنواع من التشريفات أولها: * (اقرأ باسم ربك) * أي اقرأ القرآن على الحق مستعينا باسم ربك وثانيها: أنه قهر خصمه بقوله: * (فليدع ناديه سندع الزبانية) *، وثالثها: أنه خصه بالقربة التامة وهو: * (واسجد واقترب) *.
وشرفه في سورة القدر بليلة القدر التي لها ثلاثة أنواع من الفضيلة أولها: كونها: * (خيرا من ألف شهر) *، وثانيها: نزول: * (الملائكة والروح فيها) * وثالثها: كونها: * (سلاما حتى مطلع الفجر) *.
وشرفه في سورة: * (لم يكن) * بأن شرف أمته بثلاثة تشريفات أولها: أنهم: * (خير البرية) * وثانيها: * (أن جزاؤهم عند ربهم جنات) *، وثالثها: رضا الله عنهم.
وشرفه في سورة إذا زلزلت بثلاث تشريفات: أولها: قوله: * (يومئذ تحدث أخبارها) * وذلك يقتضي أن الأرض تشهد يوم القيامة لأمته بالطاعة والعبودية والثاني: قوله: * (يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم) * وذلك يدل على أنه تعرض عليهم طاعاتهم فيحصل لهم الفرح والسرور، وثالثها: قوله: * (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره) * ومعرفة الله لا شك أنها أعظم من كل عظيم فلا بد وأن يصلوا إلى ثوابها ثم شرفه في سورة العاديات بأن أقسم بخيل الغزاة من أمته فوصف