أهل العلم والقرآن، وأولئك يسمون جهال اليهود والنصارى، ثم إطعام الطعام الذي يكون غذاء الجسد يوجب الشكر، فإطعام الذي هو غذاء الروح، ألا يكون موجبا للشكر! وفي الآية سؤالات:
السؤال الأول: لم لم يقل: عن جوع وعن خوف؟ قلنا: لأن معنى عن أنه جعل الجوع بعيدا عنهم، وهذا يقتضي أن يكون ذلك التبعيد مسبوقا بمقاساة الجوع زمانا، ثم يصرفه عنه، ومن لا تقتضي ذلك، بل معناه أنهم عندما يجوعون يطعمون، وحين ما يخافون يؤمنون.
السؤال الثاني: لم قال: من جوع، من خوف على سبيل التنكير؟ الجواب: المراد من التنكير التعظيم. أما الجوع فلما روينا: أنه أصابتهم شدة حتى أكلوا الجيف والعظام المحرقة. وأما الخوف، فهو الخوف الشديد الحاصل من أصحاب الفيل، ويحتمل أن يكون المراد من التنكير التحقير، يكون المعنى أنه تعالى لما لم يجوز لغاية كرمه إبقاءهم في ذلك الجوع القليل والخوف القليل، فكيف يجوز في كرمه لو عبدوه أن يهمل أمرهم، ويحتمل أن يكون المراد أنه: * (أطعمهم من جوع) * دون جوع: * (وآمنهم من خوف) * دون خوف، ليكون الجوع الثاني، والخوف الثاني مذكرا ما كانوا فيه أولا من أنواع الجوع والخوف، حتى يكونوا شاكرين من وجه، وصابرين من وجه آخر، فيستحقوا ثواب الخصلتين.
السؤال الثالث: أنه تعالى إنما أطعمهم وآمنهم إجابة لدعوة إبراهيم عليه الصلاة والسلام أما في الإطعام فهو قوله: * (وأرزق أهله) * وأما الأمان فهو قوله: * (اجعل هذا البلد آمنا) * وإذا كان كذلك كان ذلك منة على إبراهيم عليه السلام، فكيف جعله منة على أولئك الحاضرين؟ والجواب: أن الله تعالى لما قال: * (إني جاعلك للناس إماما) * قال إبراهيم: * (ومن ذريتي) * فقال الله تعالى: * (لا ينال عهدي الظالمين) * فنادى إبراهيم بهذا الأدب، فحين قال: * (رب اجعل هذا البلد آمنا وارزق أهله من الثمرات) * قيده بقوله: * (من آمن بالله) * فقال الله: لا حاجة إلى هذا التقيد، بل ومن كفر فأمتعه قليلا، فكأنه تعالى قال: أما نعمة الأمان فهي دينية فلا تحصل إلا لمن كان تقيا، وأما نعمة الدنيا فهي تصل إلى البر والفاجر والصالح والطالح، وإن كان كذلك كان إطعام الكافر من الجوع، وأمانه من الخوف إنعاما من الله ابتداء عليه لا بدعوة إبراهيم، فزال السؤال. والله سبحانه وتعالى أعلم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.