ولهذا قال: * (من يطع الرسول فقد أطاع الله) * وهو شطر الإيمان بل هي كالغصن في معرفة الله تعالى، لأن معرفة النبوة لا بد وأن يتقدمها معرفة ذات الله وعلمه وقدرته وحكمته، ثم إذا حصلت معرفة النبوة فحينئذ يستفاد منها معرفة بقية الصفات كالسمع والبصر والصفات الخيرية والوجدانية على قول بعضهم، تم لرسولنا الحظ الأوفر من هذه المنقبة، لأنه الذكور قبل سائر الأنبياء والمبعوث بعدهم، ثم هو مبعوث إلى الثقلين، وهو الذي يحشر قبل كل الأنبياء، ولا يجوز ورود الشرع على نسخه وفضائله أكثر من أن تعد وتحصى.
ولنذكر ههنا قليلا منها، فنقول: إن كتاب آدم عليه السلام كان كلمات على ما قال تعالى: * (فتلقى آدم من ربه كلمات) * وكتاب إبراهيم أيضا كان كلمات على ما قال: * (وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات) * وكتاب موسى كان صحفا، كما قال: * (صحف إبراهيم وموسى) * أما كتاب محمد عليه السلام، فإنه هو الكتاب المهيمن على الكل، قال: * (ومهيمنا عليه) * وأيضا فإن آدم عليه السلام إنما تحدى بالأسماء المنثورة فقال: * (أنبئوني بأسماء هؤلاء) * ومحمد عليه الصلاة والسلام إنما تحدى بالمنظوم: * (قل لئن اجتمعت الإنس والجن) * وأما نوح عليه السلام، فإن الله أكرمه بأن أمسك سفينته على الماء، وفعل في محمد صلى الله عليه وسلم ما هو أعظم منه. روى أن النبي عليه الصلاة والسلام: " كان على شط ماء ومعه عكرمة بن أبي جهل، فقال: لئن كنت صادقا فادع ذلك الحجر الذي هو في الجانب الآخر فليسبح ولا يغرق، فأشار الرسول إليه، فانقلع الحجر الذي أشار إليه من مكانه، وسبح حتى صار بين يدي الرسول عليه السلام وسلم عليه، وشهد له بالرسالة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم يكفيك هذا؟ قال: حتى يرجع إلى مكانه، فأمره النبي عليه الصلاة والسلام، فرجع إلى مكانه، وأكرم إبراهيم فجعل النار عليه بردا وسلاما، وفعل في حق محمد أعظم من ذلك.
عن محمد بن حاطب قال: " كنت طفلا فانصب القدر علي من النار، فاحترق جلدي كله فحملتني أمي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقالت: هذا ابن حاطب احترق كما ترى فتفل رسول الله صلى الله عليه وسلم على جلدي ومسح بيده على المحترق منه، وقال: أذهب البأس، رب الناس، فصرت صحيحا لا بأس بي " وأكرم موسى ففلق له البحر في الأرض، وكرم محمدا ففلق له القمر في السماء، ثم أنظر إلى فرق ما بين السماء والأرض، وفجر له الماء من الحجر، وفجر لمحمد أصابعه عيونا، وأكرم موسى بأن ظلل عليه الغمام، وكذا أكرم محمدا بذلك فكان الغمام يظلله، وأكرم موسى باليد البيضاء، وأكرم محمدا بأعظم من ذلك وهو القرآن العظيم، الذي وصل نوره إلى الشرق والغرب، وقلب الله عصا موسى ثعبانا، ولما أراد أبو جهل أن يرميه بالحجر رأى على كتفيه ثعبانين، فانصرف مرعوبا، وسبحت الجبال مع داود وسبحت الأحجار في يده ويد أصحابه، وكان داود إذا مسك الحديد لان، وكان هو لما مسح الشاة الجرباء درت، وأكرم داود بالطير المحشورة ومحمدا بالبراق، وأكرم عيسى عليه السلام بإحياء الموتى، وأكرمه بجنس ذلك حين أضافه اليهود بالشاة المسمومة، فلما وضع اللقمة في فمه أخبرته، وأبرأ الأكمه والأبرص، روى