الواحدي: إنه تعالى لما وصفها بالسجود صارت كأنها تعقل، فأخبر عنها كما يخبر عمن يعقل كما قال في صفة الأصنام * (وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون) * (الأعراف: 198) وكما في قوله: * (يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم) * (النمل: 18). السؤال الثاني: قال: * (إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر) * ثم أعاد لفظ الرؤيا مرة ثانية، وقال: * (رأيتهم لي ساجدين) * فما الفائدة في هذا التكرير؟
الجواب: قال القفال رحمه الله: ذكر الرؤية الأولى لتدل على أنه شاهد الكواكب والشمس والقمر، والثانية لتدل على مشاهدة كونها ساجدة له، وقال بعضهم: إنه لما قال: * (إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر) * فكأنه قيل له: كيف رأيت؟ فقال: رأيتهم لي ساجدين، وقال آخرون: يجوز أن يكون أحدهما من الرؤية والآخر من الرؤية، وهذا القائل لم يبين أن أيهما يحمل على الرؤيا وأيهما الرؤيا فذكر قولا مجملا غير مبين. السؤال الثالث: لم أخر الشمس والقمر؟
قلنا: أخرهما لفضلهما على الكواكب، لأن التخصيص بالذكر يدل على مزيد الشرف كما في قوله: * (وملائكته ورسله وجبريل وميكال) * (البقرة: 98).
السؤال الرابع: المراد بالسجود نفس السجود أو التواضع كما في قوله: ترى الأكم فيه سجدا للحوافر قلنا: كلاهما محتمل، والأصل في الكلام حمله على حقيقته ولا مانع أن يرى في المنام أن الشمس والقمر والكواكب سجدت له.
السؤال الخامس: متى رأى يوسف عليه السلام هذه الرؤيا؟
قلنا: لا شك أنه رآها حال الصغر، فأما ذلك الزمان بعينه فلا يعلم إلا بالأخبار. قال وهب: رأى يوسف عليه السلام وهو ابن سبع سنين أن إحدى عشرة عصا طوالا كانت مركوزة في الأرض كهيئة الدائرة وإذا عصا صغيرة وثبت عليها حتى ابتلعتها فذكر ذلك لأبيه فقال إياك أن تذكر هذا لأخوتك ثم رأى وهو ابن ثنتي عشرة سنة الشمس والقمر والكواكب تسجد له فقصها على أبيه فقال لا تذكرها لهم فيكيدوا لك كيدا. وقيل: كان بين رؤيا يوسف ومصير أخوته إليه أربعون سنة وقيل: ثمانون سنة.
واعلم أن الحكماء يقولون إن الرؤيا الرديئة يظهر تعبيرها عن قريب، والرؤيا الجيدة إنما يظهر تعبيرها بعد حين. قالوا: والسبب في ذلك أن رحمة الله تقتضي أن لا يحصل الإعلام بوصول