لأنهم جماعة تعصب بهم الأمور، ونقل عن علي عليه السلام أنه قرأ * (ونحن عصبة) * بالنصب قيل: معناه ونحن نجتمع عصبة.
المسألة الثانية: المراد منه بيان السبب الذي لأجله قصدوا إيذاء يوسف، وذلك أن يعقوب كان يفضل يوسف وأخاه على سائر الأولاد في الحب وأنهم تأذوا منه لوجوه: الأول: أنهم كانوا أكبر سنا منهما. وثانيها: أنهم كانوا أكثر قوة وأكثر قياما بمصالح الأب منهما. وثالثها: أنهم قالوا إنا نحن القائمون بدفع المفاسد والآفات، والمشتغلون بتحصيل المنافع والخيرات. إذا ثبت ما ذكرناه من كونهم متقدمين على يوسف وأخيه في هذه الفضائل، ثم إنه عليه السلام كان يفضل يوسف وأخاه عليهم لا جرم قالوا: * (إن أبانا لفي ضلال مبين) * يعني هذا حيف ظاهر وضلال بين. وههنا سؤالات:
السؤال الأول: إن من الأمور المعلومة أن تفضيل بعض الأولاد على بعض يورث الحقد والحسد، ويورث الآفات، فلما كان يعقوب عليه السلام عالما بذلك فلم أقدم على هذا التفضيل وأيضا الأسن والأعلم والأنفع أفضل، فلم قلب هذه القضية؟
والجواب: أنه عليه السلام ما فضلهما على سائر الأولاد إلا في المحبة، والمحبة ليست في وسع البشر فكان معذورا فيه ولا يلحقه بسبب ذلك لوم.
السؤال الثاني: أن أولاد يعقوب عليه السلام إن كانوا قد آمنوا بكونه رسولا حقا من عند الله تعالى فكيف اعترضوا عليه، وكيف زيفوا طريقته وطعنوا في فعله، وإن كانوا مكذبين لنبوته فهذا يوجب كفرهم.
والجواب: أنهم كانوا مؤمنين بنبوة أبيهم مقرين بكونه رسولا حقا من عند الله تعالى، إلا أنهم لعلهم جوزوا من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أن يفعلوا أفعالا مخصوصة بمجرد الاجتهاد، ثم إن اجتهادهم أدى إلى تخطئة أبيهم في ذلك الاجتهاد، وذلك لأنهم كانوا يقولون هما صبيان ما بلغا العقل الكامل ونحن متقدمون عليهما في السن والعقل والكفاية والمنفعة وكثرة الخدمة والقيام بالمهمات وإصراره على تقديم يوسف علينا يخالف هذا الدليل. وأما يعقوب عليه السلام فلعله كان يقول: زيادة المحبة ليست في الوسع والطاقة، فليس لله علي فيه تكليف. وأما تخصيصهما بمزيد البر فيحتمل أنه كان لوجوه: أحدها: أن أمهما ماتت وهما صغار. وثانيها: لأنه كان يرى فيه من آثار الرشد والنجابة ما لم يجد في سائر الأولاد، وثالثها: لعله عليه السلام وإن كان صغيرا إلا أنه كان يخدم أباه بأنواع من الخدم أشرف وأعلى بما كان يصدر عن سائر الأولاد، والحاصل