هذه الوحشة صرتم مشوشين لا تتفرغون لإصلاح مهم، فإذا زالت هذه الوحشة تفرغتم لإصلاح مهماتكم، واختلفوا في أن هذا القائل الذي أمر بالقتل من كان؟ على قولين: أحدهما: أن بعض إخوته قال هذا. والثاني: أنهم شاوروا أجنبيا فأشار عليهم بقتله، ولم يقل ذلك أحد من إخوته، فأما من قال بالأول فقد اختلفوا فقال وهب: إنه شمعون، وقال مقاتل: روبيل.
فإن قيل: كيف يليق هذا بهم وهم أنبياء؟
قلنا: من الناس من أجاب عنه بأنهم كانوا في هذا الوقت مراهقين وما كانوا بالغين، وهذا ضعيف، لأنه يبعد من مثل نبي الله تعالى يعقوب عليه السلام أن يبعث جماعة من الصبيان من غير أن يكون معهم إنسان عاقل يمنعهم من القبائح. وأيضا أنهم قالوا: * (وتكونوا من بعده قوما صالحين) * وهذا يدل على أنهم قبل التوبة لا يكونون صالحين، وذلك ينافي كونهم من الصبيان، ومنهم من أجاب بأن هذا من باب الصغائر، وهذا أيضا بعيد لأن إيذاء الأب الذي هو نبي معصوم، والكذب معه والسعي في إهلاك الأخ الصغير كل واحد من ذلك من أمهات الكبائر، بل الجواب الصحيح أن يقال: إنهم ما كانوا أنبياء، وإن كانوا أنبياء إلا أن هذه الواقعة إنما أقدموا عليها قبل النبوة.
ثم إنه تعالى حكى أن قائلا قال: * (لا تقتلوا يوسف) * قيل إنه كان روبيل وكان ابن خالة يوسف وكان أحسنهم رأيا فيه فمنعهم عن القتل، وقيل يهودا، وكان أقدمهم في الرأي والفضل والسن.
ثم قال: * (وألقوه في غيابت الجب) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قرأ نافع * (في غيابات الجب) * على الجمع في الحرفين، هذا والذي بعده، والباقون * (غيابة) * على الواحد في الحرفين. أما وجه الغيابات فهو أن للجب أقطارا ونواحي، فيكون فيها غيابات، ومن وحد قال: المقصود موضوع واحد من الجب يغيب فيه يوسف، فالتوحيد أخص وأدل على المعنى المطلوب. وقرأ الجحدري * (في غيبة الجب) *.
المسألة الثانية: قال أهل اللغة: الغيابة كل ما غيب شيئا وستره، فغيابة الجب غوره، وما غاب منه عن عين الناظر وأظلم من أسفله. والجب البئر التي ليست بمطوية سميت جبا، لأنها قطعت قطعا ولم يحصل فيها غير القطع من طي أو ما أشبه ذلك، وإنما ذكرت الغيابة مع الجب دلالة على أن المشير أشار بطرحه في موضع مظلم من الجب لا يلحقه نظر الناظرين فأفاد ذكر الغيابة هذا المعنى إذ كان يحتمل أن يلقى في موضع من الجب لا يحول بينه وبين الناظرين. المسألة الثالثة: الألف واللام في الجب تقتضي المعهود السابق، اختلفوا في ذلك الجب