إلا أن يأتيهم الله) * (البقرة: 210) وقوله: * (أو يأتي ربك) * (الأنعام: 158) ويعضده قراءة من قرأ * (وما يؤخره) * بالياء أقول لا يعجبني هذا التأويل، لأن قوله: * (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله) * حكاه الله تعالى عن أقوام والظاهر أنهم هم اليهود، وذلك ليس فيه حجة وكذا قوله: * (أو يأتي ربك) * أما ههنا فهو صريح كلام الله تعالى وإسناد فعل الإتيان إليه مشكل.
فإن قالوا: فما قولك في قوله تعالى: * (وجاء ربك) *.
قلنا: هناك تأويلات، وأيضا فهو صريح، فلا يمكن دفعه فوجب الامتناع منه بل الواجب أن يقال: المراد منه يوم يأتي الشيء المهيب الهائل المستعظم، فحذف الله تعالى ذكره بتعيينه ليكون أقوى في التخويف.
المسألة الثالثة: قال صاحب " الكشاف ": العامل في انتصاب الظرف هو قوله: * (لا تكلم) * أو إضمار أذكر.
أما قوله: * (لا تكلم نفس إلا بإذنه) * ففيه حذف، والتقدير: لا تكلم نفس فيه إلا بإذن الله تعالى.
فإن قيل: كيف الجمع بين هذه الآية وبين سائر الآيات التي توهم كونها مناقضة لهذه الآية منها قوله تعالى: * (يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها) * (النحل: 111) ومنها أنهم يكذبون ويحلفون بالله عليه وهو قولهم: * (والله ربنا ما كنا مشركين) * (الأنعام: 23) ومنها قوله تعالى: * (وقفوهم إنهم مسؤلون) * (الصافات: 24) ومنها قوله: * (هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذون لهم فيعتذرون) * (المرسلات: 35).
والجواب من وجهين: الأول: أنه حيث ورد المنع من الكلام فهو محمول على الجوابات الحقية الصحيحة. الثاني: أن ذلك اليوم يوم طويل وله مواقف، ففي بعضها يجادلون عن أنفسهم، وفي بعضها يكفون عن الكلام، وفي بعضها يؤذن لهم فيتكلمون، وفي بعضها يختم على أفواههم وتتكلم أيديهم وتشهد أرجلهم.
أما قوله: * (فمنهم شقي وسعيد) * ففيه مسائل:
المسألة الأولى: قال صاحب " الكشاف ": الضمير في قوله: * (فمنهم) * لأهل الموقف ولم يذكر لأنه معلوم ولأن قوله: * (لا تكلم نفس إلا بإذنه) * يدل عليه لأنه قد مر ذكر الناس في قوله: * (مجموع له الناس) * (هود: 103).
المسألة الثانية: قوله: * (فمنهم شقي وسعيد) * يدل ظاهره على أن أهل الموقف لا يخرجون عن هذين القسمين.