الوجه السادس: قال قوم: الزفير الصوت الشديد، والشهيق الصوت الضعيف.
الوجه السابع: قال ابن عباس رضي الله عنهما: * (لهم فيها زفير وشهيق) * يريد ندامة ونفسا عالية وبكاء لا ينقطع وحزنا لا يندفع.
الوجه الثامن: الزفير مشعر بالقوة، والشهيق بالضعف على ما قررناه بحسب اللغة.
إذا عرفت هذا فنقول: لم يبعد أن يكون المراد من الزفير قوة ميلهم إلى عالم الدنيا وإلى اللذات الجسدانية، والمراد من الشهيق ضعفهم عن الاستسعاد بعالم الروحانيات والاستكمال بالأنوار الإلهية والمعارج القدسية.
ثم قال تعالى: * (خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك) * وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: قال قوم إن عذاب الكفار منقطع ولها نهاية، واحتجوا بالقرآن والمعقول. أما القرآن فآيات منها هذه الآية والاستدلال بها من وجهين: الأول: أنه تعالى قال: * (ما دامت السماوات والأرض) * دل هذا النص على أن مدة عقابهم مساوية لمدة بقاء السماوات والأرض، ثم توافقنا على أن مدة بقاء السماوات والأرض متناهية فلزم أن تكون مدة عقاب الكفار منقطعة. الثاني: أن قوله: * (إلا ما شاء ربك) * استثناء من مدة عقابهم وذلك يدل على زوال ذلك العذاب في وقت هذا الاستثناء ومما تمسكوا به أيضا قوله تعالى في سورة عم يتساءلون: * (لابثين فيها أحقابا) * (النبأ: 23) بين تعالى أن لبثهم في ذلك العذاب لا يكون إلا أحقابا معدودة.
وأما العقل فوجهان: الأول: أن معصية الكافر متناهية ومقابلة الجرم المتناهي بعقاب لا نهاية له ظلم وأنه لا يجوز. الثاني: أن ذلك العقاب ضرر خال عن النفع فيكون قبيحا بيان خلوه عن النفع أن ذلك النفع لا يرجع إلى الله تعالى لكونه متعاليا عن النفع والضرر ولا إلى ذلك المعاقب لأنه في حقه ضرر محض ولا إلى غيره، لأن أهل الجنة مشغولون بلذاتهم فلا فائدة لهم في الالتذاذ بالعذاب الدائم في حق غيرهم، فثبت أن ذلك العذاب ضرر خال عن جميع جهات النفع فوجب أن لا يجوز، وأما الجمهور الأعظم من الأمة، فقد اتفقوا على أن عذاب الكافر دائم وعند هذا احتاجوا إلى الجواب عن التمسك بهذه الآية. أما قوله: * (خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض) * فذكروا عنه جوابين: الأول: قالوا المراد سماوات الآخرة وأرضها. قالوا والدليل على أن في الآخرة سماء وأرضا قوله تعالى: * (يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات) * (إبراهيم: 48) وقوله: * (وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء) * (الزمر: 74) وأيضا لا بد لأهل الآخرة مما يقلهم ويظلهم، وذلك