والعقاب في الآخرة، فإذا تكررت هذه الأقاصيص على السمع، فلا بد وأن يلين القلب وتخضع النفس وتزول العداوة ويحصل في القلب خوف يحمله على النظر والاستدلال، فهذا كلام جليل في فوائد ذكر هذه القصص.
أما قوله: * (ذلك من أنباء القرى) * ففيه أبحاث:
البحث الأول: أو قوله: * (ذلك) * إشارة إلى الغائب، والمراد منه ههنا الإشارة إلى هذه القصص التي تقدمت، وهي حاضرة، إلا أن الجواب عنه ما تقدم في قوله: * (ذلك الكتاب لا ريب فيه) * (البقرة: 2).
البحث الثاني: أن لفظ " ذلك " يشار به إلى الواحد والاثنين والجماعة لقوله تعالى: * (لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك) * (البقرة: 68) وأيضا يحتمل أن يكون المراد ذلك الذي ذكرناه هو كذا وكذا.
البحث الثالث: قال صاحب " الكشاف ": " ذلك " مبتدأ * (من أنباء القرى) * خبر * (نقصه عليك) * خبر بعد خبر أي ذلك المذكور بعض أنبار القرى مقصوص عليك. ثم قال: * (منها قائم وحصيد) * والضمير في قوله: * (منها) * يعود إلى القرى شبه ما بقي من آثار القرى وجدرانها بالزرع القائم على ساقه وما عفا منها وبطر بالحصيد، والمعنى أن تلك القرى بعضها بقي منه شيء وبعضها هلك وما بقي منه أثر البتة.
ثم قال تعالى: * (وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم) * وفيه وجوه: الأول: وما ظلمناهم بالعذاب والإهلاك، ولكن ظلموا أنفسهم بالكفر والمعصية. الثاني: أن الذي نزل بالقوم ليس بظلم من الله بل هو عدل وحكمة، لأجل أن القوم أولا ظلموا أنفسهم بسبب إقدامهم على الكفر والمعاصي فاستوجبوا لأجل تلك الأعمال من الله ذلك العذاب. الثالث: قال ابن عباس رضي الله عنهما: يريد وما نقصناهم من النعيم في الدنيا والرزق، ولكن نقصوا حظ أنفسهم حيث استخفوا بحقوق الله تعالى.
ثم قال: * (فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء) * أي ما نفعتهم تلك الآلهة في شيء البتة.
ثم قال: * (وما زادوهم غير تتبيب) * قال ابن عباس رضي الله عنهما: غير تخسير. يقال: تب إذا خسر وتببه غيره إذا أوقعه في الخسران، والمعنى أن الكفار كانوا يعتقدون في الأصنام أنها تعين على تحصيل المنافع ودفع المضار ثم إنه تعالى أخبر أنهم عند مساس الحاجة إلى المعين ما وجدوا منها شيئا لا جلب نفع ولا دفع ضر، ثم كما لم يجدوا ذلك فقد وجدوا ضده، وهو أن ذلك