هو الأرض والسماوات.
ولقائل أن يقول: التشبيه إنما يحسن ويجوز إذا كان حال المشبه به معلوما مقررا فيشبه به غيره تأكيدا لثبوت الحكم في المشبه ووجود السماوات والأرض في الآخرة غير معلوم وبتقدير أن يكون وجوده معلوما إلا أن بقاءها على وجه لا يفنى البتة غير معلوم، فإذا كان أصل وجودهما مجهولا لأكثر الخلق ودوامهما أيضا مجهولا للأكثر، كان تشبيه عقاب الأشقياء به في الدوام كلاما عديم الفائدة، أقصى ما في الباب أن يقال: لما ثبت بالقرآن وجود سماوات وأرض في الآخرة وثبت دوامهما وجب الاعتراف به، وحينئذ يحسن التشبيه، إلا أنا نقول: لما كان الطريق في إثبات دوام سماوات أهل الآخرة ودوام أرضهم هو السمع، ثم السمع دل على دوام عقاب الكافر، فحينئذ الدليل الذي دل على ثبوت الحكم في الأصل حاصل بعينه في الفرع، وفي هذه الصورة أجمعوا على أن القياس ضائع والتشبيه باطل، فكذا ههنا.
والوجه الثاني: في الجواب قالوا إن العرب يعبرون عن الدوام والأبد بقولهم ما دامت السماوات والأرض، ونظيره أيضا قولهم ما اختلف الليل والنهار، وما طما البحر، وما أقام الجبل، وأنه تعالى خاطب العرب على عرفهم في كلامهم فلما ذكروا هذه الأشياء بناء على اعتقادهم أنها باقية أبد الآباد، علمنا أن هذه الألفاظ بحسب عرفهم تفيد الأبد والدوام الخالي عن الانقطاع.
ولقائل أن يقول: هل تسلمون أن قول القائل: خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض، يمنع من بقائها موجودة بعد فناء السماوات، أو تقولون إنه لا يدل على هذا المعنى، فإن كان الأول، فالإشكال لازم، لأن النص لما دل على أنه يجب أن تكون مدة كونهم في النار مساوية لمدة بقاء السماوات ويمنع من حصول بقائهم في النار بعد فناء السماوات، ثم ثبت أنه لا بد من فناء السماوات فعندها يلزمكم القول بانقطاع ذلك العقاب، وأما إن قلتم هذا الكلام لا يمنع بقاء كونهم في النار بعد فناء السماوات والأرض، فلا حاجة بكم إلى هذا الجواب البتة، فثبت أن هذا الجواب على كلا التقديرين ضائع.
واعلم أن الجواب الحق عندي في هذا الباب شيء آخر، وهو أن المعهود من الآية أنه متى كانت السماوات والأرض دائمتين، كان كونهم في النار باقيا فهذا يقتضي أن كلما حصل الشرط حصل المشروط ولا يقتضي أنه إذا عدم الشرط يعدم المشروط: ألا ترى أنا نقول: إن كان هذا إنسانا فهو حيوان.