عن هذا التطفيف فإنه لا يكون مؤمنا.
ثم قال تعالى: * (وما أنا عليكم بحفيظ) * وفيه وجهان: الأول: أن يكون المعنى: إني نصحتكم وأرشدتكم إلى الخير * (وما أنا عليكم بحفيظ) * أي لا قدرة لي على منعكم عن هذا العمل القبيح. الثاني: أنه قد أشار فيما تقدم إلى أن الاشتغال بالبخس والتطفيف يوجب زوال نعمة الله تعالى فقال: * (وما أنا عليكم بحفيظ) * يعني لو لم تتركوا هذا العمل القبيح لزالت نعم الله عنكم وأنا لا أقدر على حفظها عليكم في تلك الحالة.
قوله تعالى * (قالوا يا شعيب أصلواتك تأمرك أن نترك ما يعبد ءاباؤنآ أو أن نفعل فى أموالنا ما نشؤا إنك لانت الحليم الرشيد) *.
في الآية مسائل:
المسألة الأولى: قرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم * (أصلاتك) * بغير واو. والباقون * (أصلواتك) * على الجمع.
المسألة الثانية: اعلم أن شعيبا عليه السلام أمرهم بشيئين، بالتوحيد وترك البخس فالقوم أنكروا عليه أمره بهذين النوعين من الطاعة، فقوله: * (أن نترك ما يعبد آباؤنا) * إشارة إلى أنه أمرهم بالتوحيد وقوله: * (أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء) * إشارة إلى أنه أمرهم بترك البخس. أما الأول: فقد أشاروا فيه إلى التمسك بطريقة التقليد، لأنهم استبعدوا منه أن يأمرهم بترك عبادة ما كان يعبد آباؤهم يعني الطريقة التي أخذناها من آبائنا وأسلافنا كيف نتركها، وذلك تمسك بمحض التقليد.
المسألة الثالثة: في لفظ الصلاة وههنا قولان: الأول: المراد منه الدين والإيمان، لأن الصلاة أظهر شعار الدين فجعلوا ذكر الصلاة كناية عن الدين، أو نقول: الصلاة أصلها من الإتباع ومنه أخذ المصلي من الخيل الذي يتلو السابق لأن رأسه يكون على صلوى السابق وهما ناحيتا الفخذين والمراد: دينك يأمرك بذلك. والثاني: أن المراد منه هذه الأعمال المخصوصة، روي أن شعيبا كان كثير الصلاة وكان قومه إذا رأوه يصلي تغامزوا وتضاحكوا، فقصدوا بقولهم: أصلاتك تأمرك السخرية والهزؤ، وكما أنك إذا رأيت معتوها يطالع كتبا ثم يذكر كلاما فاسدا فيقال له: هذا من مطالعة تلك الكتب على سبيل الهزؤ والسخرية فكذا ههنا.