قوم لوط منكم ببعيد * واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربى رحيم ودود) *.
في الآية مسائل:
المسألة الأولى: اعلم أنه تعالى حكى عن شعيب عليه السلام ما ذكره في الجواب عن كلماتهم فالأول قوله: * (أرأيتم إن كنت على بينة من ربي ورزقني منه رزقا حسنا) * وفيه وجوه: الأول: أن قوله: * (إن كنت على بينة من ربي) * إشارة إلى ما آتاه الله تعالى من العلم والهداية والدين والنبوة وقوله: * (ورزقني منه رزقا حسنا) * إشارة إلى ما آتاه الله من المال الحلال، فإنه يروى أن شعيبا عليه السلام كان كثير المال.
واعلم أن جواب إن الشرطية محذوف والتقدير: أنه تعالى لما آتاني جميع السعادات الروحانية وهي البينة والسعادات الجسمانية وهي المال والرزق الحسن فهل يسعني مع هذا الإنعام العظيم أن أخون في وحيه وأن أخالفه في أمره ونهيه، وهذا الجواب شديد المطابقة لما تقدم وذلك لأنهم قالوا له: * (إنك لأنت الحليم الرشيد) * فكيف يليق بك مع حلمك ورشدك أن تنهانا عن دين آبائنا فكأنه قال إنما أقدمت على هذا العمل، لأن نعم الله تعالى عندي كثيرة وهو أمرني بهذا التبليغ والرسالة، فكيف يليق بي مع كثرة نعم الله تعالى على أن أخالف أمره وتكليفه. الثاني: أن يكون التقدير كأنه يقول لما ثبت عندي أن الاشتغال بعبادة غير الله والاشتغال بالبخس والتطفيف عمل منكر، ثم أنا رجل أريد إصلاح أحوالكم ولا أحتاج إلى أموالكم لأجل أن الله تعالى آتاني رزقا حسنا فهل يسعني مع هذه الأحوال أن أخون في وحي الله تعالى وفي حكمه. الثالث: قوله: * (إن كنت على بينة من ربي) * أي ما حصل عنده من المعجزة وقوله: * (ورزقني منه رزقا حسنا) * المراد أنه لا يسألهم أجرا ولا جعلا وهو الذي ذكره سائر الأنبياء من قولهم: * (لا أسألكم عليه أجرا إن أجري إلا على رب العالمين) *.
المسألة الثانية: قوله: * (ورزقني منه رزقا حسنا) * يدل على أن ذلك الرزق إنما حصل من عند الله تعالى وبإعانته وأنه لا مدخل للكسب فيه، وفيه تنبيه على أن الإعزاز من الله تعالى والإذلال من الله تعالى، وإذا كان الكل من الله تعالى فأنا لا أبالي بمخالفتكم ولا أفرح بموافقتكم، وإنما أكون على تقرير دين الله تعالى وإيضاح شرائع الله تعالى.