القول الثاني: أن يكون المراد من الأمر ههنا قوله تعالى: * (إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون) * (النحل: 40) وقد تقدم تفسير ذلك الأمر.
القول الثالث: أن يكون المراد من الأمر العذاب وعلى هذا التقدير فيحتاج إلى الإضمار، والمعنى: ولما جاء وقت عذابنا جعلنا عاليها سافلها.
المسألة الثانية: اعلم أن ذلك العذاب قد وصفه الله تعالى في هذه الآية بنوعين من الوصف فالأول: قوله: * (جعلنا عاليها سافلها) * روي أن جبريل عليه السلام أدخل جناحه الواحد تحت مدائن قوم لوط وقلعها وصعد بها إلى السماء حتى سمع أهل السماء نهيق الحمير ونباح الكلاب وصياح الديوك، ولم تنكفئ لهم جرة ولم ينكب لهم إناء، ثم قلبها دفعة واحدة وضربها على الأرض.
واعلم أن هذا العمل كان معجزة قاهرة من وجهين: أحدهما: أن قلع الأرض وإصعادها إلى قريب من السماء فعل خارق للعادات. والثاني: أن ضربها من ذلك البعد البعيد على الأرض بحيث لم تتحرك سائر القرى المحيطة بها البتة، ولم تصل الآفة إلى لوط عليه السلام وأهله مع قرب مكانهم من ذلك الموضع معجزة قاهرة أيضا. الثاني: قوله: * (ومطرنا عليها حجارة من سجيل) * واختلفوا في السجيل على وجوه: الأول: أنه فارسي معرب وأصله سنككل وأنه شيء مركب من الحجر والطين بشرط أن يكون في غاية الصلابة، قال الأزهري: لما عربته العرب صار عربيا وقد عربت حروفا كثيرة كالديباج والديوان والاستبرق. والثاني: سجيل، أي مثل السجل وهو الدلو العظيم. والثالث: سجيل، أي شديد من الحجارة. الرابع: مرسلة عليهم من أسجلته إذا أرسلته وهو فعيل منه. الخامس: من أسجلته، أي أعطيته تقديره مثل العطية في الإدرار، وقيل: كان كتب عليها أسامي المعذبين. السادس: وهو من السجل وهو الكتاب تقديره من مكتوب في الأزل أي كتب الله أن يعذبهم بها، والسجيل أخذ من السجل وهو الدلو العظيمة لأنه يتضمن أحكاما كثيرة، وقيل: مأخوذ من المساجلة وهي المفاخرة. والسابع: من سجيل أي من جهنم أبدلت النون لاما، والثامن: من السماء الدنيا، وتسمى سجيلا عن أبي زيد، والتاسع: السجيل الطين، لقوله تعالى: * (حجارة من طين) * (الذاريات: 33) وهو قول عكرمة وقتادة. قال الحسن كان أصل الحجر هو من الطين، إلا أنه صلب بمرور الزمان، والعاشر: سجيل موضع الحجارة، وهي جبال مخصوصة، ومنه قوله تعالى: * (من جبال فيها من برد) * (النور: 43).
واعلم أنه تعالى وصف تلك الحجارة بصفات:
فالصفة الأولى: كونها من سجيل، وقد سبق ذكره.