فذكرت كلمة * (من) * لما فيها من الدلالة على التجيض، وقرئ * (تجسسوا) * بالجيم كما قرىء بهما في الحجرات.
ثم قال: * (ولا تيأسوا من روح الله) * قال الأصمعي: الروح ما يجده الإنسان من نسيم الهواء فيسكن إليه وتركيب الراء والواو الحاء يفيد الحركة والاهتزاز، فكلما يهتز انسان له ويلتذ بوجوده فهو روح. وقال ابن عباس: لا تيأسوا من روح الله يريد من رحمة الله، وعن قتادة: من فضل الله، وقال ابن زيد: من فرج الله، وهذه الألفاظ متقاربة، وقرأ الحسن وقتادة: من روح الله بالضم أي من رحمته.
ثم قال: * (إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون) * قال ابن عباس رضي الله عنهما: إن المؤمن من الله على خير يرجوه في البلاء ويحمده في الرخاء.
واعلم أن اليأس من رحمة الله تعالى لا يحصل إلا إذا اعتقد الإنسان أن الإله غير قادر على الكمال أو غير عالم بجميع المعلومات أو ليس بكريم بل هو بخيل وكل واحد من هذه الثلاثة يوجب الكفر، فإذا كان اليأس لا يحصل إلا عند حصول أحد هذه الثلاثة، وكل واحد منها كفر ثبت أن اليأس لا يحصل إلا لمن كان كافرا والله أعلم، وقد بقي من مباحث هذه الآية سؤالات:
السؤال الأول: أن بلوغ يعقوب في حب يوسف إلى هذا الحد العظيم لا يليق إلا بمن كان غافلا عن الله، فإن من عرف الله أحبه ومن أحب الله لم يتفرغ قلبه لحب شيء سوى الله تعالى، وأيضا القلب الواحد لا يتسع للحب المستغرق لشيئين، فلما كان قلبه مستغرقا في حب ولده امتنع أن يقال: إنه كان مستغرقا في حب الله تعالى.
والسؤال الثاني: أن عند استيلاء الحزن الشديد عليه كان من الواجب أن يشتغل بذكر الله تعالى، وبالتفويض إليه والتسليم لقضائه.
وأما قوله: * (يا أسفى على يوسف) * فذلك لا يليق بأهل الدين والعلم فضلا عن أكابر الأنبياء.
والسؤال الثالث: لا شك أن يعقوب كان من أكابر الأنبياء، وكان أبوه وجده وعمه كلهم من أكابر الأنبياء المشهورين في جميع الدنيا، ومن كذلك ثم وقعت له واقعة هائلة صعبة في أعز أولاده عليه لم تبق تلك الواقعة خفية، بل لا بد وأن يبلغ في الشهرة إلى حيث يعرفها كل أحد لا سيما وقد انقضت المدة الطويلة فيها وبقي يعقوب على حزنه الشديد وأسفه العظيم، وكان يوسف في مصر وكان يعقوب في بعض بلاد الشام قريبا من مصر، فمع قرب المسافة يمتنع بقاء هذه الواقعة مخفية.
السؤال الرابع: لم لم يبعث يوسف عليه السلام أحدا إلى يعقوب ويعلمه أنه في الحياة وفي