سوءا إلا أن يسجن أو عذاب أليم) * (يوسف: 25) وأودعته السجن كأنها أرادت الاعتذار مما كان.
فإن قيل جعل هذا الكلام كلاما ليوسف أولى أم جعله كلاما للمرأة؟
قلنا: جعله كلاما ليوسف مشكل، لأن قوله: * (قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق) * (يوسف: 51) كلام موصول بعضه ببعض إلى آخره، فالقول بأن بعضه كلام المرأة والبعض كلام يوسف مع تخلل الفواصل الكثيرة بين القولين وبين المجلسين بعيد، وأيضا جعله كلاما للمرأة مشكل أيضا، لأن قوله: * (وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي) * كلام لا يحسن صدوره إلا ممن احترز عن المعاصي، ثم يذكر هذا الكلام على سبيل كسر النفس، وذلك لا يليق بالمرأة التي استفرغت جهدها في المعصية.
المسألة الثانية: قالوا: * (ما) * في قوله: * (إلا ما رحم ربي) * بمعنى " من " والتقدير: إلا من رحم ربي، وما ومن كل واحد منهما يقوم مقام الآخر كقوله تعالى: * (فانكحوا ما طاب لكم من النساء) * (النساء: 3) وقال: * (ومنهم من يمشي على أربع) * (النور: 45) وقوله: * (إلا ما رحم ربي) * استثناء متصل أو منقطع، فيه وجهان: الأول: أنه متصل، وفي تقريره وجهان: الأول: أن يكون قوله: * (إلا ما رحم ربي) * أي إلا البعض الذي رحمه ربي بالعصمة كالملائكة. الثاني: إلا ما رحم ربي أي إلا وقت رحمة ربي يعني أنها أمارة بالسوء في كل وقت إلا في وقت العصمة.
والقول الثاني: أنه استثناء منقطع أي ولكن رحمة ربي هي التي تصرف الإساءة كقوله: * (ولاهم ينصرون) * (البقرة: 48) * (إلا رحمة منا) * (يس: 44).
المسألة الثالثة: اختلف الحكماء في أن النفس الإمارة بالسوء ما هي؟ والمحققون قالوا إن النفس الإنسانية شيء واحد، ولها صفات كثيرة فإذا مالت إلى العالم الإلهي كانت نفسا مطمئنة، وإذا مالت إلى الشهوة والغضب كانت أمارة بالسوء، وكونها أمارة بالسوء يفيد المبالغة والسبب فيه أن النفس من أول حدوثها قد ألفت المحسوسات والتذت بها وعشقتها، فأما شعورها بعالم المجردات وميلها إليه، فذلك لا يحصل إلا نادرا في حق الواحد، فالواحد وذلك الواحد فإنما يحصل له ذلك التجرد والانكشاف طول عمره في الأوقات النادرة فلما كان الغالب هو انجذابها إلى العالم الجسداني وكان ميلها إلى الصعود إلى العالم الأعلى نادرا لا جرم حكم عليها بكونها أمارة بالسوء، ومن الناس من زعم أن النفس المطمئنة هي النفس العقلية النطقية، وأما النفس الشهوانية والغضبية فهما مغايرتان للنفس العقلية، والكلام في تحقيق الحق في هذا الباب مذكور في المعقولات.
المسألة الرابعة: تمسك أصحابنا في أن الطاعة والإيمان لا يحصلان إلا من الله بقوله: