المسائل أن التصرف في أمور الخلق كان واجبا عليه، فجاز له أن يتوصل إليه بأي طريق كان، إنما قلنا: إن ذلك التصرف كان واجبا عليه لوجوه: الأول: أنه كان رسولا حقا من الله تعالى إلى الخلق، والرسول يجب عليه رعاية مصالح الأمة بقدر الإمكان، والثاني: وهو أنه عليه السلام علم بالوحي أنه سيحصل القحط والضيق الشديد الذي ربما أفضى إلى هلاك الخلق العظيم، فلعله تعالى أمره بأن يدبر في ذلك ويأتي بطريق لأجله يقل ضرر ذلك القحط في حق الخلق، والثالث: أن السعي في إيصال النفع إلى المستحقين ودفع الضرر عنهم أمر مستحسن في العقول.
وإذا ثبت هذا فنقول: إنه عليه السلام كان مكلفا برعاية مصالح الخلق من هذه الوجوه، وما كان يمكنه رعايتها إلا بهذا الطريق، وما لا يتم الواجب إلا به، فهو واجب، فكان هذا الطريق واجبا عليه ولما كان واجبا سقطت الأسئلة بالكلية، وأما ترك الاستثناء فقال الواحدي: كان ذلك من خطيئة أوجبت عقوبة وهي أنه تعالى أخر عنه حصول ذلك المقصود سنة، وأقول: لعل السبب فيه أنه لو ذكر هذا الاستثناء لأعتقد فيه الملك أنه إنما ذكره لعلمه بأنه لا قدرة له على ضبط هذه المصلحة كما ينبغي فلأجل هذا المعنى ترك الاستثناء، وأما قوله لم مدح نفسه فجوابه من وجوه: الأول: لا نسلم أنه مدح نفسه لكنه بين كونه موصوفا بهاتين الصفتين النافعتين في حصول هذا المطلوب، وبين البابين فرق وكأنه قد غلب على ظنه أنه يحتاج إلى ذكر هذا الوصف لأن الملك وإن علم كماله في علوم الدين لكنه ما كان عالما بأنه يفي بهذا الأمر، ثم نقول هب أنه مدح نفسه إلا أن مدح النفس إنما يكون مذموما إذا قصد الرجل به التطاول والتفاخر والتوصل إلى غير ما يحل، فأما على غير هذا الوجه فلا نسلم أنه محرم فقوله تعالى: * (فلا تزكوا أنفسكم) * (النجم: 32) المراد منه تزكية النفس حال ما يعلم كونها غير متزكية، والدليل عليه قوله تعالى بعد هذه الآية: * (هو أعلم بمن اتقى) * أما إذا كان الإنسان عالما بأنه صدق وحق فهذا غير ممنوع منه والله أعلم.
قوله ما الفائدة في وصفه نفسه بأنه حفيظ عليم؟
قلنا: إنه جار مجرى أن يقول حفيظ بجميع الوجوه التي منها يمكن تحصيل الدخل والمال، عليم بالجهات التي تصلح لأن يصرف المال إليها، ويقال: حفيظ بجميع مصالح الناس، عليم بجهات حاجاتهم أو يقال: حفيظ لوجوه أياديك وكرمك، عليم بوجوب مقابلتها بالطاعة والخضوع وهذا باب واسع يمكن تكثيره لمن أراده.