وأيضا أن الله تعالى عير اليهود بقوله: * (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم) * (البقرة: 44) وما يكون عيبا في حق اليهود كيف ينسب إلى الرسول المؤيد بالمعجزات. وأما الذين نسبوا المعصية إلى يوسف عليه السلام فقد ذكروا في تفسير ذلك البرهان أمورا: الأول: قالوا إن المرأة قامت إلى صنم مكلل بالدر والياقوت في زاوية البيت فسترته بثوب فقال يوسف: لم فعلت ذلك؟ قالت: أستحي من إلهي هذا أن يراني على معصية، فقال يوسف: أتستحين من صنم لا يعقل ولا يسمع ولا أستحي من إلهي القائم على كل نفس بما كسبت فوالله لا أفعل ذلك أبدا قالوا: فهذا هو البرهان. الثاني: نقلوا عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه تمثل له يعقوب فرآه عاضا على أصابعه ويقول له: أتعمل عمل الفجار وأنت مكتوب في زمرة الأنبياء فاستحى منه. قال وهو قول عكرمة ومجاهد والحسن وسعيد بن جبير وقتادة والضحاك ومقاتل وابن سيرين قال سعيد بن جبير: تمثل له يعقوب فضرب في صدره فخرجت شهوته من أنامله. والثالث: قالوا إنه سمع في الهواء قائلا يقول يا ابن يعقوب لا تكن كالطير يكون له ريش فإذا زنا ذهب ريشه. والرابع: نقلوا عن ابن عباس رضي الله عنهما أن يوسف عليه السلام لم ينزجر برؤية صورة يعقوب حتى ركضه جبريل عليه السلام فلم يبق فيه شيء من الشهوة إلا خرج، ولما نقل الواحدي هذه الروايات تصلف وقال: هذا الذي ذكرناه قول أئمة التفسير الذين أخذوا التأويل عمن شاهد التنزيل فيقال له: إنك لا تأتينا البتة إلا بهذه التصلفات التي لا فائدة فيها فأين هذا من الحجة والدليل، وأيضا فإن ترادف الدلائل على الشيء الواحد جائز، وأنه عليه الصلاة والسلام كان ممتنعا عن الزنا بحسب الدلائل الأصلية، فلما انضاف إليها هذه الزواجر قوي الانزجار وكمل الاحتراز والعجب أنهم نقلوا أن جروا دخل حجرة النبي صلى الله عليه وسلم وبقي هناك بغير علمه قالوا: فامتنع جبريل عليه السلام من الدخول عليه أربعين يوما، وههنا زعموا أن يوسف عليه السلام حال اشتغاله بالفاحشة ذهب إليه جبريل عليه السلام، والعجب أنهم زعموا أنه لم يمتنع عن ذلك العمل بسبب حضور جبريل عليه السلام، ولو أن أفسق الخلق وأكفرهم كان مشتغلا بفاحشة فإذا دخل عليه رجل على زي الصالحين استحيا منه وفر وترك ذلك العمل، وههنا أنه رأى يعقوب عليه السلام عض على أنامله فلم يلتفت إليه، ثم إن جبريل عليه السلام على جلالة قدره دخل عليه فلم يمتنع أيضا عن ذلك القبيح بسبب حضوره حتى احتاج جبريل عليه السلام إلى أن يركضه على ظهره فنسأل الله أن يصوننا عن الغي في الدين، والخذلان في طلب اليقين فهذا هو الكلام المخلص في هذه المسألة والله أعلم.
المسألة الثالثة: في الفرق بين السوء والفحشاء وفيه وجوه: الأول: أن السوء جناية اليد