العزيز بعشرين دينارا، وفيل أدخلوه السوق يعرضونه فترافعوا في ثمنه حتى بلغ ثمنه ما يساويه في الوزن من المسك والورق والحرير فابتاعه قطفير بذلك الثمن. وقالوا: اسم تلك المرأة زليخا، وقيل راعيل.
واعلم أن شيئا من هذه الروايات لم يدل عليه القرآن، ولم يثبت أيضا في خبر صحيح وتفسير كتاب الله تعالى لا يتوقف على شيء من هذه الروايات، فالأليق بالعاقل أن يحترز من ذكرها.
المسألة الثانية: قوله: * (أكرمي مثواه) * (يوسف: 23) أي منزله ومقامه عندك من قولك ثويت بالمكان إذا أقمت به، ومصدره الثواء والمعنى: اجعلي منزله عندك كريما حسنا مرضيا بدليل قوله: * (إنه ربي أحسن مثواي) * وقال المحققون: أمر العزيز امرأته بإكرام مثواه دون إكرام نفسه، يدل على أنه كان ينظر إليه على سبيل الإجلال والتعظيم وهو كما يقال: سلام الله على المجلس العالي، ولما أمرها بإكرام مثواه علل ذلك بأن قال: * (عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا) * أي يقوم بإصلاح مهماتنا، أو نتخذه ولدا، لأنه كان لا يولد له ولد، وكان حصورا.
ثم قال تعالى: * (وكذلك مكنا ليوسف في الأرض) * أي كما أنعمنا عليه بالسلامة من الجب مكناه بأن عطفنا عليه قلب العزيز، حتى توصل بذلك إلى أن صار متمكنا من الأمر والنهي في أرض مصر.
واعلم أن الكمالات الحقيقية ليست إلا القدرة والعلم وأنه سبحانه لما حاول إعلاء شأن يوسف ذكره بهذين الوصفين، أما تكميله في صفة القدرة والمكنة فإليه الإشارة بقوله: * (مكنا ليوسف في الأرض) * وأما تكميله في صفة العلم، فإليه الإشارة بقوله: * (ولنعلمه من تأويل الأحاديث) * وقد تقدم تفسير هذه الكلمة.
واعلم أنا ذكرنا أنه عليه السلام لما ألقى في الجب قال تعالى: * (وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا) * (يوسف: 15) وذلك يدل ظاهرا على أنه تعالى أوحى إليه في ذلك الوقت. وعندنا الإرهاص جائز، فلا يبعد أن يقال: إن ذلك الوحي إليه في ذلك الوقت ما كان لأجل بعثته إلى الخلق، بل لأجل تقوية قلبه وإزالة الحزن عن صدره ولأجل أن يستأنس بحضور جبريل عليه السلام، ثم إنه تعالى قال ههنا * (ولنعلمه من تأويل الأحاديث) * والمراد منه إرساله إلى الخلق بتبليغ التكاليف، ودعوة الخلق إلى الدين الحق، ويحتمل أيضا أن يقال: إن ذلك الوحي الأول كان لأجل الرسالة والنبوة ويحمل قوله: * (ولنعلمه من تأويل الأحاديث) * على أنه تعالى أوحى إليه بزيادات ودرجات يصير بها كل يوم أعلى حالا مما كان قبله وقال ابن مسعود: أشد النار فراسة ثلاثة: العزيز حين تفرس في يوسف فقال لامرأته أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا، والمرأة لما رأت موسى، فقالت: * (يا أبت استأجره) * (القصص: 26)