المسألة الثالثة: الأموال والأولاد يحتمل أن تكون سببا للعذاب في الدنيا، ويحتمل أن تكون سببا للعذاب في الآخرة. أما كونها سببا للعذاب في الدنيا فمن وجوه: الأول: أن كل من كان حبه للشيء أشد وأقوى، كان حزنه وتألم قلبه على فواته أعظم وأصعب، وكان خوفه على فواته أشد وأصعب، فالذين حصلت لهم الأموال الكثيرة والأولاد إن كانت تلك الأشياء باقية عندهم كانوا في ألم الخوف الشديد من فواتها، وإن فاتت وهلكت كانوا في ألم الحزن الشديد بسبب فواتها. فثبت أنه بحصول موجبات السعادات الجسمانية لا ينفك عن تلك القلب إما بسبب خوف فواتها وإما بسبب الحزن من وقوع فواتها. والثاني: أن هذه يحتاج في اكتسابها وتحصيلها إلى تعب شديد ومشقة عظيمة، ثم عند حصولها يحتاج إلى متاعب أشد وأشق وأصعب وأعظم في حفظها، فكان حفظ المال بعد حصوله أصعب من اكتسابه، فالمشغوف بالمال والولد أبدا يكون في تعب الحفظ والصون عن الهلاك، ثم إنه لا ينتفع إلا بالقليل من تلك الأموال، فالتعب كثير والنفع قليل. والثالث: أن الإنسان إذا عظم حبه لهذه الأموال والأولاد، فإما أن تبقى عليه هذه الأموال والأولاد إلى آخر عمره، أولا تبقى، بل تهلك وتبطل. فإن كان الأول، فعند الموت يعظم حزنه وتشتد حسرته، لأن مفارقة المحبوب شديدة، وترك المحبوب أشد وأشق، وإن كان الثاني وهو أن هذه الأشياء تهلك وتبطل حال حياة الإنسان عظم أسفه عليها، واشتد تألم قلبه بسببها، فثبت أن حصول الأموال والأولاد سبب لحصول العذاب في الدنيا. الرابع: أن الدنيا حلوة خضرة والحواس مائلة إليها، فإذا كثرت وتوالت استغرقت فيها وانصرفت النفس بكليتها إليها، فيصير ذلك سببا لحرمانه عن ذكر الله، ثم إنه يحصل في قلبه نوع قسوة وقوة وقهر، وكلما كان المال والجاه أكثر. كانت تلك القسوة أقوى، وإليه الإشارة بقوله تعالى: * (إن الإنسان ليطغى * أن رآه استغنى) * (العلق: 6، 7) فظهر أن كثرة الأموال والأولاد سبب قوي في زوال حب الله وحب الآخرة عن القلب وفي حصول حب الدنيا وشهواتها في القلب، فعند الموت كان الإنسان ينتقل من البستان إلى السجن ومن مجالسة الأقرباء والأحباء إلى موضع الكربة والغربة، فيعظم تألمه وتقوى حسرته، ثم عند الحشر حلالها حساب، وحرامها عقاب. فثبت أن كثرة الأموال والأولاد سبب لحصول العذاب في الدنيا والآخرة.
فإن قيل: هذا المعنى حاصل للكل، فما الفائدة في تخصيص هؤلاء المنافقين بهذا العذاب؟
قلنا: المنافقون مخصوصون بزيادات في هذا الباب: أحدها: أن الرجل إذا آمن بالله واليوم الآخر علم أنه خلق للآخرة لا للدنيا، فبهذا العلم يفتر حبه للدنيا، وأما المنافق لما اعتقد أنه لا سعادة