من أبي بكر، فلولا أن الله تعالى أمره بأن يستصحب أبا بكر في تلك الواقعة الصعبة الهائلة، وإلا لكان الظاهر أن لا يخصه بهذه الصحبة، وتخصيص الله إياه بهذا التشريف دل على منصب عال له في الدين. الثالث: أن كل من سوى أبي بكر فارقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما هو فما سبق رسول الله كغيره، بل صبر على مؤانسته وملازمته وخدمته عند هذا الخوف الشديد الذي لم يبق معه أحد، وذلك يوجب الفضل العظيم. الرابع: أنه تعالى سماه * (ثاني اثنين) * فجعل ثاني محمد عليه السلام حال كونهما في الغار، والعلماء أثبتوا أنه رضي الله عنه كان ثاني محمد في أكثر المناصب الدينية، فإنه صلى الله عليه وسلم لما أرسل إلى الخلق وعرض الإسلام على أبي بكر آمن أبو بكر، ثم ذهب وعرض الإسلام على طلحة والزبير وعثمان بن عفان وجماعة آخرين من أجلة الصحابة رضي الله تعالى عنهم، والكل آمنوا على يديه، ثم إنه جاء بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أيام قلائل، فكان هو رضي الله عنه * (ثاني اثنين) * في الدعوة إلى الله وأيضا كلما وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة، كان أبو بكر رضي الله عنه يقف في خدمته ولا يفارقه، فكان ثاني اثنين في مجلسه، ولما مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم قام مقامه في إمامة الناس في الصلاة فكان ثاني اثنين، ولما توفي دفن بجنبه، فكان ثاني اثنين هناك أيضا، وطعن بعض الحمقى من الروافض في هذا الوجه وقال: كونه ثاني اثنين للرسول لا يكون أعظم من كون الله تعالى رابعا لكل ثلاث في قوله: * (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم) * (المجادلة: 7) ثم إن هذا الحكم عام في حق الكافر والمؤمن، فلما لم يكن هذا المعنى من الله تعالى دالا على فضيلة الإنسان فلأن لا يدل من النبي على فضيلة الإنسان كان أولى.
والجواب: أن هذا تعسف بارد، لأن المراد هناك كونه تعالى مع الكل بالعلم والتدبير، وكونه مطلعا على ضمير كل أحد، أما ههنا فالمراد بقوله تعالى: * (ثاني اثنين) * تخصيصه بهذه الصفة في معرض التعظيم وأيضا قد دللنا بالوجوه الثلاثة المتقدمة على أن كونه معه في هذا الموضع دليل قاطع على أنه صلى الله عليه وسلم كان قاطعا بأن باطنه كظاهره، فأين أحد الجانبين من الآخر؟
والوجه الخامس: من التمسك بهذه الآية ما جاء في الأخبار أن أبا بكر رضي الله عنه لما حزن قال عليه الصلاة والسلام ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟ ولا شك أن هذا منصب علي، ودرجة رفيعة.
واعلم أن الروافض في الدين كانوا إذا حلفوا قالوا: وحق خمسة سادسهم جبريل، وأرادوا به أن الرسول صلى الله عليه وسلم، وعليا، وفاطمة، والحسن والحسين، كانوا قد احتجبوا تحت