واحد منهما يكون ثانيا في ذينك الاثنين للآخر. فلهذا السبب قالوا: يقال فلان ثاني اثنين، أي هو أحدهما. قال صاحب " الكشاف ": وقرئ * (ثاني اثنين) * بالسكون و * (إذ هما) * بدل من قوله: * (إذ أخرجه) * والغار ثقب عظيم في الجبل، وكان ذلك الجبل يقال له ثور، في يمين مكة على مسيرة ساعة، مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه مع أبي بكر ثلاثا. وقوله: * (إذ يقول: بدل ثان.
المسألة الثالثة: ذكروا أن قريشا ومن بمكة من المشركين تعاقدوا على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل * (وإذ يمكر بك الذين كفروا) * (الأنفال: 30) فأمره الله تعالى أن يخرج هو وأبو بكر أول الليل إلى الغار، والمراد من قوله: * (أخرجه الذين كفروا) * هو أنهم جعلوه كالمضطر إلى الخروج. وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر أول الليل إلى الغار، وأمر عليا أن يضطجع على فراشه ليمنعهم السواد من طلبه، حتى يبلغ هو وصاحبه إلى ما أمر الله به، فلما وصلا إلى الغار دخل أبو بكر الغار أولا، يلتمس ما في الغار، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم، مالك؟ فقال: بأبي أنت وأمي، الغيران مأوى السباع والهوام، فإن كان فيه شيء كان بي لا بك، وكان في الغار جحر، فوضع عقبه عليه لئلا يخرج ما يؤذي الرسول، فلما طلب المشركون الأثر وقربوا، بكى أبو بكر خوفا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عليه السلام: " لا تحزن إن الله معنا " فقال أبو بكر: إن الله لمعنا، فقال الرسول: " نعم " فجعل يمسح الدموع عن خده. ويروى عن الحسن أنه كان إذا ذكر بكاء أبي بكر بكى، وإذا ذكر مسحه الدموع مسح هو الدموع عن خده. وقيل: لما طلع المشركون فوق الغار أشفق أبو بكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إن تصب اليوم ذهب دين الله. فقال رسول الله: " ما ظنك باثنين الله ثالثهما " وقيل لما دخل الغار وضع أبو بكر ثمامة على باب الغار، وبعث الله حمامتين فباضتا في أسفله والعنكبوت نسجت عليه وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اللهم أعم أبصارهم " فجعلوا يترددون حول الغار ولا يرون أحدا.
المسألة الرابعة: دلت هذه الآية على فضيلة أبي بكر رضي الله عنه من وجوه: الأول: أنه عليه السلام لما ذهب إلى الغار لأجل أنه كان يخاف الكفار من أن يقدموا على قتله، فلولا أنه عليه السلام كان قاطعا على باطن أبي بكر، بأنه من المؤمنين المحققين الصادقين الصديقين، وإلا لما أصحبه نفسه في ذلك الموضع، لأنه لو جوز أن يكون باطنه بخلاف ظاهره، لخافه من أن يدل أعداءه عليه، وأيضا لخافه من أن يقدم على قتله. فلما استخلصه لنفسه في تلك الحالة، دل على أنه عليه السلام كان قاطعا بأن باطنه على وفق ظاهره. الثاني: وهو أن الهجرة كانت بإذن الله تعالى، وكان في خدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة من المخلصين، وكانوا في النسب إلى شجرة رسول الله أقرب