عباءة يوم المباهلة، فجاء جبريل وجعل نفسه سادسا لهم، فذكروا للشيخ الإمام الوالد رحمه الله تعالى أن القوم هكذا يقولون، فقال رحمه الله: لكم ما هو خير منه بقوله: " ما ظنك باثنين الله ثالثهما " ومن المعلوم بالضرورة أن هذا أفضل وأكمل.
والوجه السادس: أنه تعالى وصف أبا بكر بكونه صاحبا للرسول وذلك يدل على كمال الفضل. قال الحسين بن فضيل البجلي: من أنكر أن يكون أبو بكر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان كافرا، لأن الأمة مجمعة على أن المراد من * (إذ يقول لصاحبه) * هو أبو بكر، وذلك يدل على أن الله تعالى وصفه بكونه صاحبا له، اعترضوا وقالوا: إن الله تعالى وصف الكافر بكونه صاحبا للمؤمن، وهو قوله: * (قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب) * (الكهف: 37).
والجواب: أن هناك وإن وصفه بكونه صاحبا له ذكرا إلا أنه أردفه بما يدل على الإهانة والإذلال، وهو قوله: * (أكفرت) * أما ههنا فبعد أن وصفه بكونه صاحبا له، ذكر ما يدل على الإجلال والتعظيم وهو قوله: * (لا تحزن إن الله معنا) * فأي مناسبة بين البابين لولا فرط العداوة؟
والوجه السابع: في دلالة هذه الآية على فضل أبي بكر. قوله: * (لا تحزن إن الله معنا) * ولا شك أن المراد من هذه المعية، المعية بالحفظ والنصرة والحراسة والمعونة، وبالجملة فالرسول عليه الصلاة والسلام شرك بين نفسه وبين أبي بكر في هذه المعية، فإن حملوا هذه المعية على وجه فاسد، لزمهم إدخال الرسول فيه، وإن حملوها على محمل رفيع شريف، لزمهم إدخال أبي بكر فيه، ونقول بعبارة أخرى، دلت الآية على أن أبا بكر كان الله معه، وكل من كان الله معه فإنه يكون من المتقين المحسنين، لقوله تعالى: * (إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون) * (النحل: 128) والمراد منه الحصر، والمعنى: إن الله مع الذين اتقوا لا مع غيرهم، وذلك يدل على أن أبا بكر من المتقين المحسنين.
والوجه الثامن: في تقرير هذا المطلوب أن قوله: * (إن الله معنا) * يدل على كونه ثاني اثنين في الشرف الحاصل من هذه المعية، كما كان ثاني اثنين إذ هما في الغار، وذلك منصب في غاية الشرف.
والوجه التاسع: أن قوله: * (لا تحزن) * نهى عن الحزن مطلقا، والنهي يوجب الدوام والتكرار، وذلك يقتضي أن لا يحزن أبو بكر بعد ذلك البتة، قبل الموت وعند الموت وبعد الموت.
والوجه العاشر: قوله: * (فأنزل الله سكينته عليه) * ومن قال الضمير في قوله: * (عليه) * عائدا إلى الرسول فهذا باطل لوجوه:
الوجه الأول: أن الضمير يجب عوده إلى أقرب المذكورات، وأقرب المذكورات المتقدمة في هذه الآية هو أبو بكر، لأنه تعالى قال: * (إذ يقول لصاحبه) * والتقدير: إذ يقول محمد لصاحبه أبي بكر