أصحابنا نقلوا فيه خبرا، وهو قوله عليه السلام: " لا زكاة في الحلي المباح " إلا أن أبا عيسى الترمذي قال: لم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحلي خبر صحيح، وأيضا بتقدير أن يصح هذا الخبر فنحمله على اللآلئ لأنه قال: لا زكاة في الحلي، ولفظ الحلي مفرد محلى بالألف واللام، وقد دللنا على أنه لو كان هناك معهود سابق، وجب انصرافه إليه والمعهود في القرآن في لفظ الحلي اللآلئ. قال تعالى: * (وتستخرجوا منه حلية تلبسونها) * (النحل: 14) وإذا كان كذلك انصرف لفظ الحلي إلى اللآلئ، فسقطت دلالته، وأيضا الاحتياط في القول بوجوب الزكاة، وأيضا لا يمكن معارضة هذا النص بالقياس، لأن النص خير من القياس. فثبت أن الحق ما ذكرناه.
المسألة الخامسة: أنه تعالى ذكر شيئين وهما الذهب والفضة.
ثم قال: * (ولا ينفقونها) * وفيه وجهان: الأول: أن الضمير عائد إلى المعنى من وجوه: أحدها: أن كل واحد منهما جملة وآنية دنانير ودراهم، فهو كقوله تعالى: * (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا) * (الحجرات: 9) وثانيها: أن يكون التقدير، ولا ينفقون الكنوز. وثالثها: قال الزجاج: التقدير: ولا ينفقون تلك الأموال.
الوجه الثاني: أن يكون الضمير عائدا إلى اللفظ وفيه وجوه: أحدها: أن يكون التقدير ولا ينفقون الفضة، وحذف الذهب لأنه داخل في الفضة من حيث إنهما معا يشتركان في ثمانية الأشياء، وفي كونهما جوهرين شريفين، وفي كونهما مقصودين بالكنز، فلما كانا متشاركين في أكثر الصفات كان ذكر أحدهما مغنيا عن ذكر الآخر.
وثانيها: أن ذكر أحدهما قد يغني عن الآخر كقوله تعالى: * (وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها) * (الجمعة: 11) جعل الضمير للتجارة. وقال: * (ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا) * (النساء: 112) فجعل الضمير للإثم. وثالثها: أن يكون التقدير: ولا ينفقونها والذهب كذلك كما أن معنى قوله: وإني وقيار بها لغريب (c) أي وقيا كذلك.
فإن قيل: ما السبب في أن خصا بالذكر من بين سائر الأموال؟
قلنا: لأنهما الأصل المعتبر في الأموال وهما اللذان يقصدان بالكنز.
واعلم أنه تعالى لما ذكر الذين يكنزون الذهب والفضة. قال: * (فبشرهم بعذاب أليم) * أي فأخبرهم على سبيل التهكم لأن الذين يكنزون الذهب والفضة إنما يكنزونهما ليتوسلوا بهما إلى تحصيل الفرج يوم الحاجة. فقيل هذا هو الفرج كما يقال تحيتهم ليس إلا الضرب وإكرامهم ليس