وههنا قال في صفة المؤمنين: * (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) * فلم ذكر في المنافقين لفظ * (من) * وفي المؤمنين لفظ * (أولياء) *.
قلنا: قوله في صفة المنافقين * (بعضهم من بعض) * يدل على أن نفاق الأتباع، كالأمر المتفرع على نفاق الأسلاف، والأمر في نفسه كذلك، لأن نفاق الأتباع وكفرهم حصل بسبب التقليد لأولئك الأكابر، وبسبب مقتضى الهوى والطبيعة والعادة، أما الموافقة الحاصلة بين المؤمنين فإنما حصلت لا بسبب الميل والعادة، بل بسبب المشاركة في الاستدلال والتوفيق والهداية، فلهذا السبب قال تعالى في المنافقين: * (بعضهم من بعض) * وقال في المؤمنين: * (بعضهم أولياء بعض) *.
واعلم أن الولاية ضد العداوة، وقد ذكرنا فيما تقدم أن الأصل في لفظ الولاية القرب، ويتأكد ذلك بأن ضد الولاية هو العداوة، ولفظة العداوة مأخوذة من عدا الشيء إذا جاوز عنه.
واعلم أنه تعالى لما وصف المؤمنين بكون بعضهم أولياء بعض، ذكر بعده ما يجري مجرى التفسير والشرح له فقال: * (يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله) * فذكر هذه الأمور الخمسة التي بها يتميز المؤمن من المنافق، فالمنافق على ما وصفه الله تعالى في الآية المتقدمة يأمر بالمنكر، وينهى عن المعروف، والمؤمن بالضد منه. والمنافق لا يقوم إلى الصلاة إلا مع نوع من الكسل والمؤمن بالضد منه. والمنافق يبخل بالزكاة وسائر الواجبات كما قال: * (ويقبضون أيديهم) * والمؤمنون يؤتون الزكاة، والمنافق إذا أمره الله ورسوله بالمسارعة إلى الجهاد فإنه يتخلف بنفسه ويثبط غيره كما وصفه الله بذلك، والمؤمنون بالضد منهم. وهو المراد في هذه الآية بقوله: * (ويطيعون الله ورسوله) * ثم لما ذكر صفات المؤمنين بين أنه كما وعد المنافقين نار جهنم فقد وعد المؤمنين الرحمة المستقبلة وهي ثواب الآخرة، فلذلك قال: * (أولئك سيرحمهم الله) * وذكر حرف السين في قوله: * (سيرحمهم الله) * للتوكيد والمبالغة كما تؤكد الوعيد في قولك سأنتقم منك يوما، يعني أنك لا تفوتني وإن تباطأ ذلك، ونظيره * (سيجعل لهم الرحمن ودا) * (مريم: 96) * (لسوف يعطيك ربك فترضى) * (الضحى: 5) * (سوف يؤتيهم أجورهم) * (النساء: 152).
ثم قال: * (إن الله عزيز حكيم) * وذلك يوجب المبالغة في الترغيب والترهيب لأن العزيز هو من لا يمنع من مراده في عباده من رحمة أو عقوبة، والحكيم هو المدبر أمر عباده على ما يقتضيه العدل والصواب.