جنات عدن بطنان الجنة، قال الأزهري: بطنانها وسطها، وبطنان الأودية المواضع التي يستنفع فيها ماء السيل واحدها بطن، وقال عطاء عن ابن عباس: هي قصبة الجنة وسقفها عرش الرحمن وهي المدينة التي فيها الرسل والأنبياء والشهداء وأئمة الهدى، وسائر الجنات حولها وفيها عين التسنيم وفيها قصور الدر والياقوت والذهب فتهب ريح طيبة من تحت العرش فتدخل عليهم كثبان المسك الأذفر. وقال عبد الله بن عمرو: إن في الجنة قصرا يقال له عدن، حوله البروج وله خمسة آلاف باب كل على كل باب خمسة آلاف حرة، لا يدخله إلا نبي أو صديق أو شهيد، وأقول حاصل الكلام إن في جنات عدن قولان: أحدهما: أنه اسم علم لموضع معين في الجنة، وهذه الأخبار والآثار التي نقلناها تقوي هذا القول. قال صاحب " الكشاف ": وعدن علم بدليل قوله: * (جنات عدن التي وعد الرحمن) * (مريم: 61).
والقول الثاني: أنه صفة للجنة قال الأزهري: العدن مأخوذ من قولك عدن فلان بالمكان إذا أقام به، يعدن عدونا. والعرب تقول: تركت إبل بني فلان عودان بمكان كذا، وهو أن تلزم الإبل المكان فتألفه ولا تبرحه، ومنه المعدن وهو المكان الذي تخلق الجواهر فيه ومنبعها منه، والقائلون بهذا الاشتقاق قالوا: الجنات كلها جنات عدن.
والنوع الثالث: من المواعيد التي ذكرها الله تعالى في هذه الآية قوله: * (ورضوان من الله أكبر) * والمعنى أن رضوان الله أكبر من كل ما سلف ذكره، واعلم أن هذا هو البرهان القاطع على أن السعادات الروحانية أشرف وأعلى من السعادات الجسمانية، وذلك لأنه إما أن يكون الابتهاج بكون مولاه راضيا عنه، وأن يتوسل بذلك الرضا إلى شيء من اللذات الجسمانية أو ليس الأمر كذلك، بل علمه بكونه راضيا عنه يوجب الابتهاج والسعادة لذاته من غير أن يتوسل به إلى مطلوب آخر، والأول باطل، لأن ما كان وسيلة إلى الشيء لا يكون أعلى حالا من ذلك المقصود، فلو كان المقصود من رضوان الله أن يتوسل به إلى اللذات التي أعدها الله في الجنة من الأكل والشرب لكان الابتهاج بالرضوان ابتهاجا بحصول الوسيلة. ولكان الابتهاج بتلك اللذات ابتهاجا بالمقصود، وقد ذكرنا أن الابتهاج بالوسيلة لا بد وأن يكون أقل حالا من الابتهاج بالمقصود. فوجب أن يكون رضوان الله أقل حالا وأدون مرتبة من الفوز بالجنات والمساكن الطيبة، لكن الأمر ليس كذلك، لأنه تعالى نص على أن الفوز بالرضوان أعلى وأعظم وأجل وأكبر، وذلك دليل قاطع على أن السعادات الروحانية أكمل وأشرف من السعادات الجسمانية.
واعلم أن المذهب الصحيح الحق وجوب الإقرار بهما معا كما جمع الله بينهما في هذه الآية.