فلمآ ءاتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون * فأعقبهم نفاقا فى قلوبهم إلى يوم يلقونه بمآ أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون * ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم وأن الله علام الغيوب) *.
اعلم أن هذه السورة أكثرها في شرح أحوال المنافقين ولا شك أنهم أقسام وأصناف، فلهذا السبب يذكرهم على التفصيل فيقول: * (ومنهم الذين يؤذون النبي - ومنهم من يلمزك في الصدقات - ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني - ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله) * قال ابن عباس رضي الله عنهما: أن حاطب بن أبي بلتعة أبطأ عنه ماله بالشأم، فلحقه شدة، فحلف بالله وهو واقف ببعض مجالس الأنصار، لئن آتانا من فضله لأصدقن ولأؤدين منه حق الله، إلى آخر الآية، والمشهور في سبب نزول هذه الآية أن ثعلبة بن حاطب قال: يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالا. فقال عليه السلام: " يا ثعلبة قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه " فراجعه وقال: والذي بعثك بالحق لئن رزقني الله مالا لأعطين كل ذي حق حقه، فدعا له، فاتخذ غنما، فنمت كما ينمو الدود، حتى ضاقت بها المدينة، فنزل واديا بها، فجعل يصلي الظهر والعصر ويترك ما سواهما، ثم نمت وكثرت حتى ترك الصلوات إلا الجمعة. وطفق يتلقى الركبان يسأل عن الأخبار، وسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه، فأخبر بخبره فقال: " يا ويح ثعلبة " فنزل قوله: * (خذ من أموالهم صدقة) * فبعث إليه رجلين وقال: " مرا بثعلبة فخذا صدقاته " فعند ذلك قال لهما: ما هذه إلا جزية أو أخت الجزية، فلم يدفع الصدقة فأنزل الله تعالى: * (ومنهم من عاهد الله) * فقيل له: قد أنزل فيك كذا وكذا، فأتي الرسول عليه السلام وسأله أن يقبل صدقته، فقال: إن الله منعني من قبول ذلك فجعل يحثي التراب على رأسه، فقال عليه الصلاة والسلام: " قد قلت لك فما أطعتني " فرجع إلى منزله وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم أتى أبا بكر بصدقته، فلم يقبلها اقتداء بالرسول عليه السلام